علي محمد الشرفاء يكتب:القرآن شرعة ومنهاجا

أحد, 12/27/2020 - 14:39

 

 

القرآن هو الخطاب الإلهي الوحيد الذي أنزله الله على رسوله الأمين وكلفه بتبليغ آياته للناس وما فيها من تشريعات وعظات وأخلاقيات وتعليمات وعِبر، ويشرح للناس مقاصد الآيات لما ينفع الناس كما جاء في التكليف الإلهي للرسول مخاطبًا إياه «كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ» (الأعراف: 2)، ويضيف التكليف قوله سبحانه: «فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِیۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰ⁠طࣲمُّسۡتَقِیمࣲ  وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرࣱ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ» (الزخرف: 43-44)، وأضاف سبحانه للتكليف أيضا قوله: «وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» (الأحزاب: 2)، وجاء في خطاب التكليف قوله سبحانه: «يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ» (المائدة: 67)

ويؤكد الله سبحانه للناس بأنه أوحى لرسوله أن يبلغ الناس بالقرآن وينذرهم به؛ ليجنبهم ما سيصيبهم في الحياة الدنيا من ضنك وبؤس وظلم وتعاسة وشقاء، ويحفظ لهم مكانتهم يوم القيامة في جنات النعيم لا يصيبهم نصب ولا فزع بل روح وريحان.ولذلك فالرسول مكلَّف من الله سبحانه بأن يبلغهم ما جاء في كتابه من آيات بينات ترشد الناس لطريق السعادة والخير والطمأنينة والسلام.وأن يتبع الناس سنة الرسولالتي هي مجموعة القيم والأخلاق التي ذكرتها الآيات في القرآن والسنة فعل وليست أقوال.إضافة أن الله سبحانه لم يمنح الرسول حق التشريع ووظيفته إيصال رسالة المرسل وهو الخالق سبحانه إلى عباده تأكيدًا لقوله: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا» (الأحزاب: 45-46)، تلك هي مسؤولية الرسول التي حددها الله له للقيام بتبليغ الناس برسالته منطلقًا من رحمته بخلقه حتى لا يضلوا في الحياة الدنيا، ووزع الصلاحيات بينه سبحانه وبين رسوله في قوله: «وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ» (الرعد: 40)

وزيادة في التوضيح حين وقف الرسول عليه السلام في حجة الوداع يبلغهم انتهاء الخطاب الالهيفي قول الله سبحانه: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (المائدة: 3)، وأكد في خطابه للناس عن استكمال الخطاب الإلهي في قوله سبحانه: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (الأنعام: 115)، لذلك واتساقًا مع ما سبق من إيضاح بالآيات علم الله سبحانه بعلمه الأزلي بأن المسلمين سيهجرون القرآن تأكيدًا لقوله سبحانه: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)» (الفرقان)،

فإذا الله سبحانه يوضح الأسباب التي أدت إلى هجر القرآن في قوله سبحانه: «تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ» (الجاثية: 6)، ثم تقر الآية (31) من سورة الفرقان، وتشير إلى المجرمين الذين تحولوا إلى أعداء للنبي ورسالته الإلهية عندما اصطنعوا روايات باطلة وإفتراءات كاذبة نسبوا إليه ظلمًا وعدوانًا أقوالًا وتشريعات تخالف آيات الله البينات، ليصدوا المسلمين عن طريق الحق ويخلقوا حالة من الاضطراب الفكري يؤجج الفتن ويزيد المحن ليتقاتل الأخوة ويسفكوا دماءهم ظلمًا وعدوانًا.ويبين لنا تاريخ المسلمين منذ أربعة عشر قرنًا المسلمين في ضنك وشقاء وقتال ونفاق وشقاق؛ حينما هجروا القرآن واتبعوا أعوان الشيطان الذين إلى اليوم يستبيحون الأعراض ويقتلون النساء والأطفال دون رحمة أو شفقة.مات لديهم الضمير وغاب العدل وتحولت نفوسهم إلى التوحش وكراهية الآخر؛ تجد كل منهم متحفزًا ليجد مسلمًا ليقتله لأنه ليس من طائفته وليس يدين بمذهبه حتى يومنا هذا.فلننظر الخراب والتدمير والدم المُسال في العراق وسوريا وليبيا واليمن باسم الإسلام، رافعين شعارات في أعلامهم السوداء يخادعون الله والناس فيها (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

هل أمرهم الله بارتكاب تلك الجرائم وقتل الأبرياء؟ أم تلك نتائج ما اتبعوه مما سُمي السنة؟ وأي سنة يتبعون؟إن كانوا يقصدون سنة الرسول عليه السلام؛ فسنته آداب القرآن وشريعة الله في كتابه المبين الذي يدعو للرحمة والعدل والحرية والإحسان وتحريم قتل الإنسان والتعاون على البر والتقوى، وليس التعاون على الإثم والعدوان.فهم لم يتبعوا سنة الرسول الحقيقية؛ بل اتّبعوا أقوال الروايات وما سولت لأصحابهم أنفسهم الأمارة بالسوء فاتبعوا الشيطان وتحدوا القرآن ووقعوا في المحظور.

لذلك كل من اتّبع تلك الأقوال فقد خسر الدنيا والآخرة وعصى الله فيما أمر وتكبّر على آياته فلم يؤمن بها ولم يتدبر؛ والعاقل يتبع ما قال سبحانه: «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (البقرة: 141)

فليس من الإيمان والمنطق أن يتبع المسلمون روايات كاذبة ويهجرون آيات الله الصادقة والمنهاج الذي سيحاسب الله عليه الناس يوم الحساب.فمن نجح في الإمتحان إنتصر على الشيطان دخل الجنة بالقرآن؛ ومن كانت نتيجته الخسران متبعًا روايات علماء السلطان وما نسبوه للرسول ظلمًا وبهتانًا؛ فجزاؤهم جهنم وبئس المصير ذلك حكم الرحمن.

علما بأن الشريعة هي متعلقة بالتشريعات من المحرمات والحدود والإرث وتشريع الزواج، وأما المنهاج فهو المنهاج العملي من قيم الاخلاق وأسلوب التعامل بين البشر، على سبيل المثال الرحمة والعدل والإحسان والتعاون واستخدام الكلمة الطيبة وحسن المعشر والمودة بين الناس وغيرها كثير من الصفات، لذلك جمع القرآن بين التشريعات ومنهج العلاقات بين الناس