أسرة الداه ولد اباته: تم حرق ملف الراحل لدى إدارة الأمن لطمس جريمة عمرها أربعة عقود

جمعة, 01/08/2021 - 13:59

 

الأخبار ميديا/  دعت أسرة المفوض الراحل الداه ولد اباته الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى رفع الظلم الذى وقع عليه قبل أربعين سنة خلال عمله كموظف فى سلك الشرطة الوطنية

ودعت الأسرة فى رسالة حملت عنوان "من أجل إنصاف المفوض المظلوم الداه ولد اباته "  الرئيس إلى إعادة الاعتبار للمفوض الذي قالت إنه تعرض للاستهداف وللظلم أكثر من ثلاثين سنة من حياته مطالبة باستعادة كامل حقوقه وجبر ما لحق به من أضرار.

الرسالة تطرقت بمستوي من التفصيل لاعتقال الأديب المعروف الداه ولد اباته رحمه الله تعالى سنة 1980 ورفض كل الأنظمة إعادة الاعتبار إليه فى حين كان يتطلع للترقى فى السلك الوظفي إلى رتبة مفوض 

وأكدت الرسالة أنه تم "إضرام النار في ملف الرجل لدى إدارة الأمن، بغية طمس معالم الجريمة التي ارتكبوها في حقه ولقطع أي صلة بينه مع القطاع الذي استحق الانتساب إليه عن جدارة بعد حصوله على المرتبة الأولى من أولى دفعات ضباط الشرطة الوطنية!"

وقد كتب عدد من المدونين والكتاب عن ما تعرض له الداه ولد اباته مطالبين برفع الظلم عنه بعد وفاته وإعادة الاعتبار له .

نص الرسالة:

" رسالة مفتوحة

إلى رئيس الجمهورية

بعد مايناسب مقامك العالي من التحية ، أضع بين يديك ،قضية ظلم دام أربعين سنة ،إنها قضية والدى :

من أجل إنصاف المفوض المظلوم الداه ولد اباته

تمر هذه الأيام الذكرى الأربعين لانطلاقة إحدى أكثر موجات القمع قسوة في تاريخ البلاد، والتي راح ضحيتها آلاف المواطنين، لأسباب مختلفة لكن بتهم مألوفة لدى الأحكام التسلطية من قبيل: معارضة السلطة الشرعية، محاولة زعزعة استقرار البلاد، تشكيل جمعيات أشرار والتآمر لقلب نظام الحكم.

فتحت السجون أبوابها لتكتظ بالنزلاء واستجلب الجلادون أنماطا لم تكن مألوفة من التعذيب، وفقد المئات إن لم يكن الآلاف وظائفهم، فيما اضطر الكثيرون للعيش خارج البلاد تحسبا لتغيير سيطول انتظاره، غير أنه سيفتح –بعد أربع سنوات- باب الأمل على مصراعيه أمام الضحايا لاستعادة بعض من حقوقهم المغتصبة.

نجح الكثيرون في تسوية وضعياتهم لكن من دون شك بقي آخرون يدفعون ثمن القمع الأعمى والشطط في استخدام السلطة، ومن دون أن تجد "الدولة" ولو بضع دقائق للاستماع لشكاواهم أحرى لرفع الظلم المسلط عليهم من طرف وطنهم طيلة أربعة عقود من الزمن. ولعل أكثر الحالات التي استعصت على الحل، رمزية وتجسيدا لحجم وطول أمد الظلم، هي حالة المفوض الداه ولد اباته.

ففي مستهل سنة 1980 وبينما كان الضابط الشاب يستعد للحصول على ترقية استثنائية إلى رتبة مفوض، نتيجة الخدمات الجليلة التي قدمها لبلده، تفاجأ باقتياده من طرف زملائه إلى دهاليز سجون لم تكن لتخطر على باله، حيث المعاملة السيئة بشتى صنوفها والتعذيب والسادية في أقبح تجلياتها. وبعد أكثر من سنتين موزعتين ما بين السجون والإقامة الجبرية، برأته المحكمة الخاصة التي أحيل إليها لكن بعد أن فات الأوان كثيرا، ذلك أن جلاديه كانوا قد عزلوه من قطاع الشرطة من دون حقوق وحتى من دون أن يشعروه بقرارهم لممارسة حقه في الطعن أمام القضاء.

لم يكتف الجلادون بالسجن والتعذيب والحرمان من الحق في الترقية والاستبعاد من الوظيفة من دون حقوق، بل بلغت بهم السادية حد إضرام النار في ملف الرجل لدى إدارة الأمن، بغية طمس معالم الجريمة التي ارتكبوها في حقه ولقطع أي صلة بينه مع القطاع الذي استحق الانتساب إليه عن جدارة بعد حصوله على المرتبة الأولى من أولى دفعات ضباط الشرطة الوطنية!

ومع أن محاولة اختصار أربعين سنة من تداعيات هذه الجريمة المنكرة، في بضع كلمات أو فقرات من مقال صحفي، تعتبر ضربا من الاستهانة بالمشاعر الإنسانية التي تعرضت للظلم ولعدم التضامن مع المظلوم والامتناع عن رفع الظلم، فإن الضرورات المتعلقة بالإبقاء على الموضوع في دائرة الضوء وتوضيح ملابساته للرأي العام، تفرض تناوله وإعادة تناوله، على الرغم من أن الأحرف والكلمات ستظل عاجزة عن التعبير بالوضوح والصدق الكافيين عن هول المظلومية.

ما الذي يدفع "الدولة" إلى الحرص على رعاية تصرفات خاطئة وجائرة كل هذا الوقت من الزمن؟ كيف تسمح باستمرار نفاذ إرادة موظف تمكن في لحظة معينة من تقمص شخصية الدولة واستغلال سلطتها من أجل تصفية حساباته الشخصية أو إشباع نهمه في التسلط والحيف؟ ولماذا تستمر في محاباة الجلادين على حساب معاناة الضحايا، رغم تغير الأحكام والأنظمة وحتى بعد تقاعد واختفاء من حولوها ذات يوم إلى أداة للتعسف؟

أهو غياب حس المسؤولية والاستسلام الأبدي أمام سطوة بيروقراطية إدارة الأمر الواقع؟ أم هو التجلي الناصع لاستمرارية التسلط والطغيان رغم تغير واجهات الأنظمة ولافتات وعودها الزائفة؟ أم تراه استسهال النوم على أناة وجراح الضحايا دون خوف من ردود أفعال تنتج عن تنامي الضغط وتعدد بؤر الاحتقان وتراكم خيبات الأمل من إمكانية إنصاف ضحايا أزمنة الدكتاتوريات الإجرامية؟

لقد وجدت الدولة كتعبير عن الأمل في تحقيق المساواة والعدالة لمواطنيها، ومن الطبيعي أن ترتكب عبر مسار تشكلها وتطور مؤسساتها، أخطاء في حق بعض مواطنيها، تتفاوت بحسب طبيعة الظروف المحيطة بها ونوعية حكامها، لكن ما هو غير طبيعي وغير مقبول في عالم اليوم، أن تظل عاجزة –على امتداد أربعة عقود- عن إنصاف مواطن تعرض لظلم جلي ومنع حتى من حقه في التظلم أمام القضاء؟

كيف لمقرر معيب تم اتخاذه في ظروف غامضة من طرف طغمة قمع إجرامية وغير شرعية، ومن دون الاكتراث لشروط صحته، أن يقضي بجرة قلم على الحياة المهنية لموظف سام يجمع كل من عرفوه على كفاءاته العالية وإخلاصه ونزاهته ومثابرته وفعاليته وأيضا على موسوعيته ودماثة أخلاقه وحسه الوطني الرفيع؟ وكيف تتمادى كل الحكومات اللاحقة في التصديق على ذلك المقرر المشؤوم من خلال رفضها المستمر حتى لإجراء تحقيق يوضح ملابسات ملف أريد له أن يطويه النسيان؟

نحن هنا أبعد ما نكون عن روح الثأر والانتقام، لذلك نتحدث فقط عن الظلم كممارسة بغض النظر عن مرتكبيه على الرغم من معرفتنا لهم، كما أننا مدركون أن لا شيء في الدنيا يمكنه تعويض كل تلك العقود من التعسف والحيف، غير أننا واثقون من أن الوقت سيحين –ولو متأخرا- لأن تدرك الدولة حجم الخطأ الذي تغافلت عنه طويلا ولأن تنتصر لأحد أبنائها البررة الذين انتصروا لها ذات يوم حين تعرضت للاختطاف من طرف زمرة أثبتت الأيام لا وطنيتها وخبث نياتها الإجرامية.

لا نسعى إلى مطاردة ومعاقبة مرتكبي الجريمة –مع أنها مسألة بالغة الأهمية تربويا ونفسيا- بل إلى إعادة الاعتبار للمفوض الذي تعرض للاستهداف وللظلم أكثر من ثلاثين سنة من حياته، وإلى استعادة كامل حقوقه وجبر ما لحق به من أضرار بالرغم من إدراكنا مسبقا لعدم وجود مقياس قادر على تحديد ما ألحقته به أيادي الغدر والحقد الآثمة.

رحم الله فقيدنا الغالي المفوض الداه ولد اباته وأسكنه فسيح جنانه.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون."