وضع القرآن العظيم مرجعية شاملة لأخلاق المسلم وصفاته ينبغي لمن ينسب نفسه لهذا الدين العظيم أن يلتزم بها التزاما كليا تنفيذا لأوامر الله وخطابه الموجه للناس كافة ليكونوا مسلمين ، ويرتكز ميزان الأخلاق الوارد في هذا الخطاب على قاعدتين أساسيتين هما الإيمان والعمل الصالح ، فبالنسبة للإيمان هو قناعة ذاتية لدى الانسان وعلاقة خاصة بينه وبين ربه ، لكن الإيمان مهم في توجيه السلوك نحو الفضائل والأخلاق الحسنة . أما العمل الصالح فهو مجموعة الأفعال والأقوال التي شرعها الله وأمر عباده بها ، وتندرج تحتها العبادات والأخلاق وقيم والعدل والانصاف .
وإذا ما التزم المسلم بهاتين القاعدتين (الايمان والعمل الصالح) فقد نجا بنفسه وسلك الطريق المستقيم الذي سيوصله الى الجنة ، قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) وقال أيضا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ.) وقال جل شأنه (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ).
وقد بينت الآيات الكريمة سمو الأخلاق التي يجب ان يتصف بها المسلم ومنها ملازمة عمل البر الذي يجمع بين الايمان والعمل الصالح، حيث يقول تعالى في كتابه العزيز موضحا هذه المسألة ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
ونلاحظ في الآيات السابقة أن الانفاق في سبيل الله جاء مباشرة بعد الايمان متقدما في الترتيب على إقام الصلاة ، وهو ما يؤكد على قيمته كفضيلة أودع الله فيها الكثير من الخير لفاعلها خصوصا إذا كان انفاقه موجها لمستحقيه الذين اشارت لهم الآية الشريفة وهم: ذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب أي الرقيق .
ومن صفات المسلم واخلاقه التي جاء بها القرآن العظيم “التواضع” قال تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) ، والصدق ” قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) . وأداء الأمانة قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا ) . والوفاء بالعهد قال تعالى ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) . والصبر قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . كظم الغيظ والعفو عن الناس قال تعالى (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
تلك مجرد أمثلة مما احتواه القرآن العظيم من اخلاقيات وصفات تميز المسلم عن غيره وهي كثيرة ومتعددة وشاملة ، ولا شك أن اسلام المرء يبقى ناقصا ما لم يتقيد بها ، لأن الدين ليس مجرد شعائر تُؤدى كالصلاة والصوم والحج ، بل لا بد أن ترافقها الأخلاقيات الحميدة التي جاء بها القرآن ، فهي واجبة وجوب الشعائر بنص الآيات المحكمة السابقة الذكر ، وآثارها الإيجابية لا تقتصر على من يقوم بها ويحافظ عليها فحسب وانما تمتد للمجتمع بأسره ، فالصدق وأداء الأمانة والوفاء بالعهد عناصر أساسية في تحقيق العدالة والحفاظ على الحقوق والحد من الصراعات والخلافات بين أبناء المجتمع . والصبر والعفو وكظم الغيظ والتواضع والانفاق في سبيل ترفع شأن العبد بين الناس وتجعل له مكانة وتقدير ومودة بينهم ، هذا فضلا عما ينتظره من أجر عظيم عند الله.
وما احوجنا في هذا العصر الى الرجوع لهذه الأخلاقيات السامية وترسيخها بين الناشئة من خلال تدريس الآيات القرآنية الشريفة التي وردت فيها ، والتأكيد على أنها فرائض وواجبات على المسلم أن يتحلى بها قولا وعملا.