أسرّ وفاء ثم أظهر غدرة ... فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره.
قال مروان بن محمد لعبد الحميد الكاتب حين أيقن بزوال ملكه: قد إحتجت إلى أن تصير مع عدّوي وتظهر الغدر بي؛ فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابتك تدعوهم إلى حسن الظنّ بك، فإن إستطعت أن تنفعني في حياتي، وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتي بعد مماتي. فقال عبد الحميد: إن الذي أمرت به أنفع الأشياء لك وأقبحها بي، وما عندي غير الصبر معك حتى يفتح الله عليك أو أقتل معك.
الوفاء: حفظ للعهود والوعود، وأداء للأمانات، واعتراف بالجميل، وصيانة للمودة والمحبة.
قال الأصمعي :إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده فأنظر إلى حنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وبكائه على ما مضى من زمانه.
بعد المقابلة الأخيرة لفتى العهدين ومدلل المحمدين الوزير سيدي ولد سالم ، وماتلاها من مدح للوزير ووصفه بأيقونة الوفاء في زمن تنكر فيه الخليل عند العودة وتفرق الصحب بعد اللقاء ، فغدو مابين مبجل راغب وسيد راهب وسالكٍ دروب مزرعته ليكتشف أن عناق أغصانها ووحدة أرضها وسمائها وتنوع ثمارها دليل على وحدة العائلة الإبراهيمية ، والإختراع وليد الحاجة .
كيف لمن إستخف بالقريب وطرده من وطنه وحرمه من تشييع أمه وأستباح ماله وعرضه ، ونكث بعهده لمن شرعوا له الوصول عبر أول إنتخاب بعد إنقلابه ، وتنكر لمن رفع ذِكره وتسلق على أكتاف هيبته إلى أرفع المناصب أن يتباهى ويغتر بثناء من أغدق له الأعطيات ورفعه لأعلى الدرجات على حساب شعب أمَٓنه على ثرواته وجعله حارسا لا مبذرًا ولا طالبًا لثناء زائف .
ولن يكون من السعد أن تطمع الشحم فيمن شحمه ورم .
حين كان أولئك يتقلبون في نعم الشعب كان المواطن البريئ يرقب الوفاء بعهودهم وخطاباتهم ولايدري أن رئيس الفقراء عين الشؤم ، وأن حرب الفساد كوسوسة الشيطان ليست بغرض الخلود ، وأن بيع الأملاك ، وبناء المطار وتغيير العملة والنشيد والعلم ، ماهم إلا جنة المسيح الدجال ولعل ضحايا الشيخ الرضا يُسألون عن طعم الوفاء ....
كان معاوية بن أبي سفيان يقول : والله إني لأخاف أن أظلم من لايجد ناصرًا علي إلا الله .
ولعل البعض يتغافل عن دعوة مظلوم لا يعلم من الوفاء إلا ما سمعه من المتنبي :
حسبي من الحب أنـي بالوفـاء لـه
أمشي وأحمـل جرحًـا ليـس يلتئـم
وما شكـوت لأنـي إن ظلمـت فكـم
قبلي من الناس في شرع الهوى ظلموا
فاظلم كما شئـت لا أرجـوك مرحمـة
إنـا إلـى الله يـوم الحشـر نحتكـم .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «ستحرصون على الإمارة ثم تكون حسرة وندامة؛ فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة