بخبرته في الجندية التي زادت على ثلاثين عاما أكثر من عشرة منها في القيادة العامة لأركان الجيوش لم ندخل خلالها حربا ولم نخسر شبرا من التراب الوطني، وابتعد فيها التهديد الإرهابي والتطرف العنيف عن بلادنا واضمحلت هواجس الانقلابات العسكرية، مر خلالها كقائد بالاستخبارات العسكرية وقيادة الأمن العام ودخل خلالها سلفه في غيبوبة ولم يتسلم الحكم إذلم تكن تفصله عنه سوى مكالمة هاتفية وأمر شفاهي.
صموت صبور مثابر منضبط؛ يعتنق العمل الجماعي ويستأثر بروح الفريق. وقبيل توليه رئاسة الجمهورية اجترح طريقا كلاسيكية لمعاقرة السياسة بشكل غير كلاسيكي عبر الحكومة؛ كوزير دفاع وجنرال متقاعد ومناضل يضع عذريته السياسية وقصة حياته في خدمة الأمة الموريتانية. ثم عرض برنامجه على الشعب الموريتاني في إطار انتخابات يأتلف حوله فيها ميزان قوى كان فيها له لاعليه.
تولى رئاسة الجمهورية بصفة شرعية فاختار فريقه بانتقائية سلسة لاتخطئها العين؛ من أغلبية مندهشة من التبادل السلمي البكر بين رئيسين منتخبين ومعارضة مشدوهة بين التصديق والتكذيب. وسط احتقان شديد وحوار متعطل.
قرب المعارض الشرس وهذب الموالي الأعمى، وحاول خلال سنتين أن يطلق ما تعهد به ويكمل ما بدأ سلفه.
أهم ما افتتح به مأموريته أن الدولة مؤسسات وليست أشخاصا وأنها استمرارية وليست قطيعة؛ لذلك ركز على المسحة الأخلاقية للعمل السياسي ككل، وحاول تنزيل تلك المسحة على قطاعات الحياة بتفعيل المساءلة وتنشيط العقوبة والمكافأة وإحياء الرقابة الداخلية والموازية لمؤسسات الدولة وسلطاتها فيما بينها.
أعاد الاعتبار للمنسيين وضيق هامش القطيعة بين الحكم ومناوئيه بجلب منفيي الخارج والحديث مع "منفيي" الداخل.
حتى الخطاب السياسي لأكبر أحزاب الأغلبية تغير وتوسعت دائرة النقاش داخله، فلم تعد المعارضة السياسية خائنة في أعين الكوادر الموالية ولم يعد الموالون مجرد مصفقة يسبحون بحمد الحاكم في نظر المعارضة.
غير وزيره الاول مرة واحدة خلال الربعين الجاريين من مأموريته، واصطدم بوباء عالمي تعايش معه بنجاح منقطع النظير مقارنة مع دول الطوق الموريتاني. ووقع مذكرة تفاهم سنرى نتيجتها بعد سنوات على الأرجح وتنطوي على أكبر مشروع من نوعه في العالم (إنتاج الهيدروجين الأخضر) سيمتص على الأرجح آخر عاطل عن العمل في موريتانيا وسيخفض تكاليف الطاقة لحد يتناهز المجانية.
تعددت منغصات السنتين الفارطتين من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛ لكنه واجهها ويواجهها بشكل متوثب يرقى إلى القوة الهادئة؛ بحيث وضع محاربة التهميش والفوارق الاجتماعية والفاقة نصب عينيه. ولقد أقال وصحح وضيق الكثير من هوامش الفساد، والحديث المتعلق بالتامين الصحي المعمم بلسم فصيح للفقراء المرضى.
مماجعل نهجه في إدارة الدولة يتراوح بين الليونة والقسوة والوضوح والغموض والغدو والآصال؛ فالرجل ليس غريبا على البلد وخبرته المكثفة لم تكن مجانا.
وقد ظلت خطواته وتؤدته في اتباعها والإقناع بها محط أنظار المتابعين للشأن العام؛ ومن إحدى الخلاصات التي توصلت إليها من الداخل -كعضو في المؤتمر الوطني للحزب الحاكم- أنها غير متهورة ويمكن أن توصف بالمستنيرة والمستشيرة.
يمكن أن نصف رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وما مضى من حكمه دون اصطفاف ولا حمية أنه وأنها بذور للأمل من خبرة كبرى في التدبير؛ ستسفر عن انجياح للجائحة وتضييق على الخصاصة التي أججتها، وإعادة اعتبار للمدرسة الجمهورية وتهذيب للحياة السياسية؛ تؤسس لولوج عصر الغاز وإبعاد شبح الإرهاب وتفادي مهالك ومزالق مضاعفات الفساد الإداري والمالي؛ لذلك ولغيره فالرجل مهم وضروري للمرحلة ومدعاة للأمل.
صحيح أن الإسهاب سهل في مناقبية سلطان وهو في الحكم؛ لما قد يدر من درء للخوف أو تليين للطمع؛ وصحيح أننا في بلد موبوء بموالاة لا تقول الحق في الرئيس ومعارضة تنفر من مجرد الاستماع للموالاة؛ لكننا نلج العقد السابع من عصر الدولة الوطنية بغنى فاحش في الأقوال وفقر مدقع في الأفعال؛ مما يجعل المواطن البسيط يرتاح لحاكم فعال حتى ولو كان أبكم ويعاف آخر قوالا حتى ولو امتلك أنامل سكريتيرة.
ذ/الشيخ سيديا ولد موسى
عضو المؤتمر الوطني لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية ونائب برلماني سابق عن دائرة بتلميت.
Facebook Twitter