عندما مات الضمير واختل ميزان العلاقة مع الله.. تخلف العرب والمسلمون ودب الصراع.. وتوحشت النفوس الخربة، فاحتلت الأوطان.. ونُهبت الثروات.. واستوحش أهل الشر.. فأيقظوا الفتن، وروجوا روايات الشيطان.
(كثير من الناس يعتقد بأن من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداُ رسول الله دخل الإسلام وأصبح مسلماُ يؤدى شعائر العبادات من صلوات وصيام وزكاة وحج وتصور أنها كل التزاماته كمسلم).
وقد مرت قرون على هذا الفهم الخاطئ، حيث أن الدخول في دين الإسلام عقد ارتضاه الإنسان المسلم بينه وبين الله، وأشهد الله عليه بأن يحمله في قلبه، ويترجمه في تصرفاته وتعامله مع الناس وفق التشريع الإلهي، والمنهج القرآني، الذي وضع الله في آياته كل شروط العقد بينه وبين المسلم، وهو أمانة يلتزم بها في حياته عملا وقولاً، كما بين الله سبحانه عظمة الأمانة في قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ … مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) إن الآية الكريمة، تتحدث عن الأمانة، وهو(العقد المقدس) بكل شروطه بين الله والناس، حيث أعطى الله الإنسان الحرية في الاختبار بالالتزام بالعقد أو من عدمه في تنفيذ بنود العقد المقدس إذا ارتضى الإسلام دينا من ما يؤمن بالله ربا واحداُ لا شريك له وبمحمد رسولا.
يحمل الخطاب الإلهي في القرآن الكريم ليبلغ آياته للناس جميعا ويؤمن بتشريعاته ومنهاجه إيماناُ كاملاُ دون نقصان، وهو تطبيق كل التشريعات الإلهية والأحكام الربانية في العبادات والمحرمات والنهى عن الفحشاء والمنكر وإتباع مقاصد الآيات من رحمة وعدل وحرية وإحسان وتعاون وتحريم العدوان والتعاون بين الناس في سبيل الخير من عمل الصالحات والتمسك بالمنهاج الذي يرسم للناس خارطة الحياة ليتحقق للناس فيها الحياة الطيبة والعيش الكريم في ظل الأمن والاستقرار والسلام وإتباع كل ما تضمنته آيات القرآن من القيم النبيلة التي تؤلف بين القلوب وتحترم حق الإنسان في كل الأحكام والتشريعات التي وضع الله سبحانه قواعدها لصالح الإنسان في القرآن إذا رضي بالإسلام ديناً.
تلك القواعد وشروط الدخول إلى الإسلام التي تؤسس لإقامة مجتمع المدينة الفاضلة عند تطبيق المنهج الإلهي، الذي أنزله الله على رسوله في آيات كريمة، بحيث يكون الإنسان مؤمناً بكل آيات القرآن الكريم، ويسعى بكل الصدق والالتزام بكل التشريعات الإلهية من عبادات ومعاملات وحدود وأخلاقيات وعظات وتعليمات متأسياً بآداب القرآن التي جعل الله رسوله عليه السلام المثل الأعلى والقدوة النموذجية للاقتداء بسيرته وسنته التي تترجم التشريعات الإلهية ومنهاجه على أرض الواقع سلوكا وتعاملا مع الأقرباء والغرباء بالرحمة والعدل والإحسان والكلمة الطيبة وبالعفو والمساواة بين كل أفراد المجتمع لا فرق فيه لعرق أو دين أو مذهب أو لون أو عقيدة أياً كانت عقيدة الإنسان، والجميع أمام العدالة سواء والجميع يسعون لصلاح المجتمع، الذي يعيشون فيه بالتكافل والتعاون تنفيذاً لأمر الله سبحانه بقوله (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
ولذلك أصبح الوفاء بتطبيق (بنود العقد المقدس) قضية في غاية الصعوبة عند الإنسان، الذي يعيش في صراع دائم ومواجهة قياسية مع إغراءات الشيطان، تدفعه النفس ومعها الشيطان بإغراءاته وما يزينه للنفس من استحسان، سوء أعمالها مما يؤدى للإخلال بالعقد وشروطه، فإذا تمكن الإنسان بقوة إيمانه من التمسك بشروط العقد في قرآنه من قيم الفضيلة ومحاسن الأخلاق، وتطبيق التشريع الإلهي في الحلال وفى الحرام والتقيد الكامل بكل بنوده سلوكا ومعاملة مترجماً المنهج الإلهي في كل تصرفات المسلم تأسياً بسنة الرسول عليه السلام، وسنته التى تتمثل في آداب القرآن، وأخلاقياته، وصفات المؤمنين في الكتاب المبين.
وقد اختزل القرآن كل صفات المؤمنين التي ذكرتها آيات القرآن في آيتين، كما قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله عليه السلام (وإنك لعلى خلق عظيم)، والآية الثانية، قوله سبحانه وتعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) يقابل ذلك الالتزام الصادق والتطبيق العلمي لكل بنود العقد المقدس وعد من الله بأنه يوم القيامة سيجزى الجنة التي تجرى من تحتها الأنهار، وإذا أخل المسلم بشروط العقد الإلهي فسيتحمل نتائج خيانة الأمانة والإخلال بالعقد المقدس بينه وبين الله سبحانه، فسيكون عقابه أليماً وجزاؤه عظيماً يوم القيامة على ما فرط في الالتزام بالعقد المقدس لأن اختياره للدخول للإسلام تم بمحض اختباره، وأن الإخلال بشروط العقد سيعرضه للمساءلة يوم الحساب تطبيقاً لأحد بنود العقد في قوله سبحانه وتعالى(فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) طه: الآيات 123، 124، 125، 126).
ونظرا لأن معظم المسلمين اقتصر التزامهم بالعقد المقدس على أحد بنوده، وهي العبادات فقط مما يعد ذلك إخلالاً خطيراً في التقيد بكامل بنود العقد وشروطه، مما أدى إلى إحداث خلل في العلاقات الإنسانية في المجتمعات العربية والإسلامية حين اتبعوا الروايات، وتخلوا عن الآيات فانتشرت الفتن ودب الصراع بينهم والتقاتل وتوحشت النفوس، وتحجرت القلوب، ومات الضمير، مما أدى إلى تخلف العرب وهيأ الظروف باحتلال أوطانهم ونهب ثرواتهم، واستغلت قوى الشر الإشاعات وخلق الخلاف بواسطة الروايات والإسرائيليات، وانشغل العرب المسلمون بالحروب، وساهم عدم الاستقرار في مجتمعاتهم إلى الانصراف إلى حشد الجيوش للقتال، بدلا من التعليم والابتكار الذي تتقدم به الأمم، وأضحى التنافس على السلطة، وتقديم الضحايا من أقربائهم وإخوانهم وسفك دماء الأبرياء لتحقيق مصالحهم وطموحاتهم للاستبداد بالسلطة والانفراد فى حكم الناس.
بدلاً من أن تكون الأمة العربية قاطرة الحضارة الإنسانية بما تحمله من قيم أخلاقية سامية في الخطاب الإلهي للناس أجمعين، ودعوة للعلم والتفكر في كون الله وأفلاكه وفي ما تكتنزه الأرض من مختلف المعادن كما يدعو القرآن الكريم الذي تتجلى في دعونه الرحمة والعدل والحرية والسلام والإحسان وصحوة الضمير لنشر الأمن والعيش الكريم للبشرية جمعاء- تحولت أوضاع المسلمين بعدما تخلوا عن العقد المقدس، كتاب الله المبين إلى حياة الضنك والشقاء والتقاتل والتخلف في الماضي والحاضر نتيجة منطقية لإخلالهم ببنود العقد المقدس، الذي احتوته آيات القرآن الكريم.
وقد وضع الله لهم قاعدة واضحة تحدد لهم خارطة الطريق المستقيم يبينه القرآن الكريم للناس، والذي كان الشرط الأول في العقد المقدس ليلتزم به كل مسلم كما أمر الله في قوله سبحانه (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ) الأعراف (3) نص إلهي واضح موجه لكل مسلم ارتضى أن يؤمن بالله رباً وبالقرآن هادياً وبرسول الله مبشرا ونذيرا.
ومن يعتقد في الإسلام دينا، عليه أن يطبق أهم الشروط في العقد المقدس، بأن يتبع كتاب الله يلتزم بآياته وتشريعاته ومنهاجه ويخاطب الرسول الناس كما خاطبه ربه ليبين لهم طريق الحياة المستقيم الذي اختاره الله لعباده ليجعلهم يعيشون حياة طيبة في الدنيا ويعدهم الله كل من التزم بالعقد المقدس جنات النعيم في الآخرة ويتلو رسول الله على الناس من تشريعات الله ومنهاجه بقوله سبحانه (قل تعالوا أتل عليكم ما حرم ربكم عليكم ألا تشرکوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقکم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون\ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وافوا الكيل بالميزان والقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون أو أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعام (151\152\153).
يبين الرسول للمسلمين بعض الشروط المهمة في العقد المقدس في الآية المذكورة أعلاه، الذي إذا التزم به المسلم وطبقه بالكامل سيقابله وعد كريم من الله سبحانه روح وريحان وجنات النعيم، يقول لهم ربهم ادخلوها بسلام آمنين. ولو طبق المسلمون كافة بنود العقد المقدس لاختفى الظلم وحل العدل وتراحم الناس فيما بينهم وانتشر السلام في مجتمعاتهم والتكافل والتسامح والإحسان وحفظت الأمانات واختفت الصراعات وحلت المودة محل الكراهية، وحل المعروف بدل العدوان، وتحقق الأمن والاستقرار في المجتمعات، وعاش الناس في أمن وسلام وأسسوا المدينة الفاضلة، التي يحلم بها الإنسان لا ظلم فيها ولا عدوان ليحيا الناس فيها بالإنصاف والإحسان حياة طيبة، وعمروا الأرض وأكلوا من نعم الله فيها فارتقت معيشتهم، وتقدمت علومهم وسادوا الأرض بالرحمة والعدل والأخلاق والعلم والتقدم.
حينئذ لن تكون المجتمعات بحاجة لشرطة ولا محاكم ولا سجون، اختفى الفقر فيها والتسول فاختفت السرقة والاعتداء على أموال الناس وحلت البركة عليهم وانتشر التعاطف بين الناس وتباروا في الإحسان وتنافسوا في فعل الخيرات، ولكن للأسف استطاع أعداءهم أن يغيبوا عقولهم بالروايات والافتراءات على كتاب الله ورسوله حتى نجحوا في صرف المسلمين عن القرآن الكريم، واختزلوا رسالة الإسلام في العبادات، ففقدوا قيم الفضيلة والتعامل بالإحسان وكرم الأخلاق التي يدعوا لها القرآن، وعصى الناس الله في أمره بإتباع القرآن، فأمر سبحانه مخاطبا رسوله الأمين بقوله ( فاستمسك بالذي أوحي إليك انك على صراط مستقيم/ وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) الزخرف (43\44).
لم يتبعوا ما بلغ الناس رسوله وعصوا أمره سبحانه بأن يتبعوا القرآن ولا يتبعون غيره فيضلوا وتركوا الآيات واتبعوا الروايات وأخلوا بشروط العقد المقدس، فضلوا عن الطريق المستقيم بعد استحكمت في أفكارهم كتب التراث وما بثته من سموم غيبت عقول المسلمين وجعلتهم يؤمنون بدعوة الأشرار وما يدعونهم له من إتباع سبل الشيطان التي حولتهم إلى نفوس بائسة متوحشة تحب الدماء وقتل الأبرياء، تدمر المدن وتشرد الناس من أوطانهم حتى أصبحوا يهددون الأمم الأخرى، التي أصبحت تخشى من كلمة مسلم، الذي تتجلى في تسمية الإسلام السلام والرحمة والحرية والعدل والسلام.
فماذا يمكن أن يطلق على الذين ينشرون خطاب الكراهية؟! ويشجعون على قتل الناس، أقل شيء يمكن يوصفون به بشر فقدوا إنسانيتهم وعصوا ربهم واتبعوا طريق الشيطان، الذي سيدفعهم إلى جهنم وبئس المصير، والله يسألهم يوم القيامة بقوله سبحانه (ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون) المؤمنون (105 )، فكان جوابهم في مشهد يوم عظيم، وهم في حسرة في موقف عصيب قولهم (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين/ ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال احشؤا فيها ولا نكلمون) المؤمنون (106\107\108).
فعلى كل مسلم أن يستحضر في يوم الحساب ذلك المشهد العظيم، لقد حذرنا الله منه رحمة بالناس وبالمسلمين ليجنبهم موقف اليائسين، ولكن الإنسان وبداخله النفس الأمارة بالسوء ورفيقها الشيطان هيهات أن يهتدي لمنهاج القرآن، وغرته الحياة الدنيا، ونسي الله ولم يكن من المهتدين فلا يلومن إلا نفسه، فقد اختار في حياته بكل الحرية طريق الباطل واتبع ما تتلوه عليه الشياطين من روايات التزوير والافتراءات على الله وعلى رسوله الأمين. وكم أنذر الله الناس بعدم إتباع كتب غيره من الأولياء ومن تسمى بالعلماء وشيوخ الدين، فاليوم يجزى بما عصى الله وهجر كتابه المبين، الذي يحميه في حياته من الانزلاق في حياة الضنك ويكون من البائسين، فقد أصر وتعنت واستكبر على هدى الله فبغى وطغى فأصبح من الهالكين في نار الجحيم، فقد كان خطاب الله للناس نصيحة وعظة ليجنبهم عذابه وعقابه، فينادي خلفه من عباده بقوله سبحانه (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعام (153) فمن استجاب لدعوة الله نجى ومن أعرض عن دعوة الله خاب وخسر الدنيا والآخرة