قلت منذ الوهلة الأولى، إن الأنظمة الموريتانية تخشى وجود رأي وطني قوي ومتماسك، يسائل ويوجه يراقب ويحدد معالم الطريق، لذلك كان قرار إفساد الصحافة رؤية استراتجية، وعملا ممنهجا، تبنته جميع الأنظمة التي حكمت البلاد مع الإعلان عن المسار الديمقراطي مطلع تسعينيات القرن الماضي.
ولتوضيح ذلك أكثر فقد بدأ شق الصف الصحفي مبكرا من خلال خلق إعلام الإيدلوجيا، ولا حقا إعلام الجهات، ومن ثم إعلام القبائل والأشخاص، وإعلام البيشمركة والمخبرين والمخنثين والعياطة..!
الهدف دائما هو إفساد الإعلام وشغله عن الاضطلاع بمهمته بخوض معارك جانبية تحجب عنه حقيقة ما يجري.. ليس هذا وحده، بل تم منع رأس المال الخاص عن الاستثمار فيه، حتى لا يستطيع النهوض ويقف على قدميه، ومع محاولات بعض رجال الأعمال تكسير ذلك الحاجز، فإن النتيجة في الغالب كانت سيئة وعكسية، لما تتسبب فيه من ضغوط وتكسير للأضلاع، تجعل أولائك المستثمرين يكتفون باستغلال مؤسساتهم الإعلامية أدوات لجمع معلومات يتم تسخيرها لخدمة أغراض أخرى..!
وطبعا لم يكن ترشيح الدعم الذي تقدمه الحكومات على اختلافها إلا وسيلة أخرى من وسائل الإفساد والتحكم، فلا معيارية تضبطه ولا ضوابط تحميه وتنظمه، ولا رقابة تتعقبه..!
الآن ومع التطلع لإصلاح مفترض ظهر جيل جديد من بيشمركة الإعلام والكتاب يقوده الساسة والوزراء، والهدف دائما هو ذاته، التميع والإفساد وتشويش الصورة وتشويهها..!
فلاهم قدموا من خلال ما كتبوا ما يفيد الوطن، ويجيب على الأسئلة الكبرى المرتبطة بمشاكل قطاعاتهم، ومدى تنفيذ السياسات والبرامج التي أسندت إليهم.
ولاهم تركوا المواطن في غفلة من أمرهم وأمر قطاعاتهم.. ولاهم تركوا لطابور العاطلين من البيشمركة والعياطة ما يقتاتون عليه.
رحمه الله الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله بواسع رحمته، عندما زرته في قرية لمدن بعد تنحيه عن الرئاسة وتحدثت معه في شأن "البيشمركة" كان رده الهادء، (نحن بلد يصعب فيه تميز الأشياء، وهناك أمور تحجبها السلطة رغم جوهريتها ومحوريتها..من بينكم مظلمون حقا).