الله وحده سبحانه هو الذي سيحكم بين الناس جميعا يوم القيامة وسيحاسب كل انسان على عمله يكافئ من عمل صالحا بالجنة، فلديه وحده سجل أعمال خلقه في الحياة الدنيا، ولا تغيب عنه شاردة ولا واردة، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم الصادقين والمتقين، ويعلم الذين استكبروا عن آياته، ويعلم المنافقين، وهو وحده سبحانه سيقضي بحكمه العادل من يدخل الجنة ومن يدخل الجحيم، تأكيداً لقوله سبحانه يستفسر من الكافرين(أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)(المؤمنون)، ويستكمل القرآن المشهد العظيم يوم الحساب وينطق الحكم الإلهي على الآثمين بقوله سبحانه (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (الزمر-71)، ثم جاء دور الصادقين المتقين وصدر الحكم العادل بتنفيذ وعد الله لهم بجنات النعيم، في قوله سبحانه (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (الزمر-73)، فالله سبحانه وحده الذي لديه سلطة الحكم عند الحساب على الناس جميعا وعلى جميع أهل الأديان والمذاهب والطوائف ولا يملك تلك السلطة رسول ولا نبي ولا شيخ دين، لأن الله لم يعين وكلاء عنه من خلقه من البشر في الأرض ليقروروا نيابة عن الله سبحانه من يدخل الجنة ومن سيلقى في النار حين عينوا أنفسهم قضاة على الناس متجاوزين السلطة الالهية المطلقة الذي يؤكدها القرآن في مشهد عظيم بقول الله بقول الله سبحانه (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴿68﴾ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿69﴾ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿70﴾) (الزمر: 68-70)، ولم يمنح الله أحدا من الناس صلاحية الحكم على الناس، وتحديد المسلم الصالح والمسلم الطالح، أو يحكم على بقية خلق الله الذين يدينون بأديان مختلفة ومذاهب خاصة بهم حيث يقف كل اتباع الأديان يوم القيامة ليحكم الله بينهم في قوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (الحج : 17)، ومن يعين نفسه حاكما على الناس يدخل من يشاء الجنة ويدخل من يشاء النار ارتكب جريمة تعدى بها حق الله وجناية عظيمة سيحاسب عليها يوم القيامة حسابا عسيرا وأعد الله له عذابا عظيما الذي نصب نفسه قاضيا على الناس.. هل يعلم هو بنفسه حكم الله عليه يوم الحساب أمن أهل الجنة سيكون أم سيكون من أهل النار؟! وكيف من لا يستطيع معرفة الحكم الذي سيحكم به الله عليه يدخله الله الجنة أم يلقى به في النار ومن منح بعض الناس الأشقياء والمضلين أن يقرروا من يكون في الحياة الدنيا من أصحاب الجنة ومن يكون من أهل النار؟!
وإذا كان الرسول عليه السلام لم يمنحه الله ذلك الحق في قوله سبحانه معرفاً عن نفسه بقوله : (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ) (الأحقاف -9) فإذا كان الرسول عليه السلام لا يعلم ماذا سيحكم عليه رب العالمين يوم الحساب فكيف يتجرأ أي من كان من الناس أن يصدر أحكاماً وهو لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً؟ فقد بين الله للناس في رسالته التي أنزلها على رسوله، ليعرف الناس طريق الحق وطريق الباطل، ووعد الذين اتقوا الله واتبعوا تشريعاته ومنهاجه، وعدهم بالجنة، وحذر الذين هجروا القرآن وتكبروا على آياته بأنهم سيكونون من أهل النار..
ومن فضل الله على الناس أن بين لهم الطريق المستقيم وحكمه عليهم في الحياة الدنياقبل يوم الحساب عند التنفيذ، وحذر الكافرين والمنافقين من جزائهم يوم الحساب لذلك فليتق الله كل مسلم ولا يحكم على أي إنسان مهما كان دينه أو مذهبه أو من أي ملة بأنه من أهل الجنة أو من أهل النار، لأن الإسلام ليس فيه كهنة ولا أحبار يخادعون أتباعهم بإصدار أحكام على الناس ويحددون من سيكون من أهل الجنة ومن سيكون من أهل النار فكل البشر سواء أمام الله دون تمييز، وليس لديهم شفيع إلا أعمال الإنسان في الحياة الدنيا، ليحصد ما زرعه في حياته إن خيراً فخير وان كان شراً فالنار أولى به والختام قول الله سبحانه (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15))( (الانشقاق 5-15) تلك هي قاعدة الحكم الإلهي على الناس جميعا ( إِنَّ هَـذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ) (الانسان: 29)، والسلام على من اتبع الهدى واتخذ القرآن في حياته منهاجا ومرشدا.
فيسبوك تويتر لينكدإن طباعة