الاخبار ميدا / تداول نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع المنصرم صورا لما قالوا عنه مجموعة من الضباط في الحرس الوطني تعود لحقبة معينة من تاريخ هذا البلد. واستنكر هؤلاء عدم وجود أي ضابط من "لحراطين" أو من "الزنوج" ضمن المجموعة، ورغم عدم تسليمي مسبقا بما ذهبت إليه تلك الدعوى بحكم بعدي عن المؤسسة العسكرية وربما لمعرفتي المسبقة أن الأمر لا يخرج عن سياق متتالية الحملات التي تستهدف هذا الشعب في كل مفاصله؛
إلا أن الموضوع أثار لدي بعض التساؤلات علٌها معاكسة تماما لما طرحه الإخوة الذين رأوا في الموضوع تهميشا أو إقصاء وغبنا، وهو ما لم يبد لي على الإطلاق، لأسباب عدة ولعل من أهمها، أن الخدمة العسكرية هي بالدرجة الأولى عمل طوعي، وإحساس بالمسؤولية اتجاه الوطن ووسيلة لتأدية واجب الدفاع عن الحوزة الترابية والسيادة الوطنية، وهي أقرب الطرق إلى النهاية لا قدر الله؛ وبالتالي لن تكون أول خيار طبعا يتبادر لذهن محبي الترف، والراغبين في الرخاء والبعد عن الشدائد.. ثم إن جيشنا الوطني تأسس في ظرف استثنائي تماما، مثل ما هو حال نشأة الدولة نفسها، وكل الدلائل كانت تشير في مرحلة تأسيسه إلى أننا بصدد الدخول في حرب، لا أقول بفرضها، لكن بحتميتها استراتجيا وجغرافيا وتاريخيا حتى.. وهو عامل منفر آخر في ولوج الخدمة العسكرية، ثم إن الطبقة البيروقراطية في ذلك الوقت والتي شغلت معظم الوظائف المدنية في ذلك الحين كانت من فيئة واحدة في معظمها ليس لأن الجيش لا يجد رغبة في اكتتابها ولا لأنها عاجزة عن تحمل جانب من المسؤولية اتجاه هذا الوطن الذي خدمته من جوانب أخرى بل لأن رغبتها كانت كذلك، ولأن هذا البلد لم يعرف على مر تاريخه عملية تجنيد إجباري بموجبها يمكن فرض الناس على دخول الخدمة العسكرية-مع أنه لو قرر ذلك فإنه لن يسلم من تهمة العبودية والتضحية بأجناس بمقابل حماية مصالح مفترضة لطرف بعينه- يبقى من الطبيعي والمنصف أن نترك حيزا للتأويل الإيجابي، لا أن نستنفد ذخيرتنا التحاملية دون الركون إلى معطيات تتصف بالحياد والموضعية..
ولكي لا أذهب بعيدا، ولتقريب الصورة أكثر أريد أن الفت النظر إلى مسألة مهمة وهي أنه حتى في تلك الطبقة الموصوفة بالهيمنة والتفرد كان هناك من لم يخطر بباله ولم يرد دخول الجيش وحتى مع توفر القدرة المادية والدوافع الذاتية ظل يمانع في حيازة السلاح واستخدامه ليس لعجز وإنما للمحافظة على خصوصية ذاتية هي في نظره محصلة إرث آباء ونهج حياة يجب التمسك به مع وجود استثناءات قلية طبعا .
أيضا ينبغي التنبيه إلى أن مسألة الانخراط في الجيش لا يمكن فهمها على أساس عنصري ولا تميزي لأن الأصل فيها طريق النهاية والفقر وهي كما ذكرنا ليست أسهل الطرق لجمع المال والجاه..قد يقول البعض إنها أصبحت كذلك وهو أمر قد لا أمانع فيه وقد أقبله من باب التسليم الجدلي، لكن ألا يرى معي هؤلاء أنه في الوقت الذي أصبح الأمر كذلك حدث تغير كبير وأصبحت طوابير المهتمين بالانتساب للجيش في ازدياد مطرد ولله الحمد وحتى من أولائك الذين كانوا إلى وقت قريب ينظرون إلى الخدمة العسكرية على أنها خروج عن المألوف وانتكاسة قيمية وأخلاقية.. وهنا أطرح سؤالا أعتقد أنه من الوجاهة بمكان، أليس من المنصف والعدل أن نحاكم أنفسنا عندما تجاهلنا نداء الوطن في وقت المحن بدل مساءلة أو محاكمة الجيش الوطني الذي اختار طريق التضحية والبذل في سبيل الذود عن وطن في لحظة تعاكس وتناقض تماما رغباتنا ودوافعنا التي أصبحنا نعبر عنها دون كبير استحياء!!
من المهم لنا أن نعرف كيف نختلف وعلى ما ذا نختلف ولأي غرض؛ وطبعا حينها سيكون الجيش الوطني من ضمن تلك الثوابت التي لا نختلف على تحصينها وإبعادها عن التجاذبات اجتماعية كانت أم سياسية، لأن ضمان بقاء الأمم مرهون بهيبتها التي لا تتأتي إلا بوجود قوة حامية قادرة على صون تلك الكرامة والذود عنها.. ثم إن سباقنا يجيب أن يكون موجها نحو تصحيح الأخطاء وتدارك مكامن الخلل والسعي لزرع روح التضحية والإيمان بالوطن وأمنه لا إلى البحث عن شماعة نعلق عليها فشلنا وتقصيرنا في أداء الواجب جاعلين من تضحيات بعضنا استئثارا وغبنا ومن تقاعس بعضنا الآخر تهميشا وإقصاء