لقد افتريتم يا شيوخ الدين واتبعتم الروايات المزورة على الرسول، وزورتم أحكاماً تتحدى كتاب الله، وسولت لكم أنفسكم بأن تؤلفوا دينا جديدا، له مرجعيات متعددة، وتشريع لا يمت لرسالة الإسلام بصلة، حينما تصدرون أحكام التحريم فيما لم ينزل به الله من سلطان، بتشويه شرعة الله في كتابه الكريم، الذي منح الناس الحرية في تصرفاتهم، وحقهم في البهجة والفرح والسرور، تحرمون الأفراح ويحزنكم سعادة الناس، لتحولوا الحياة إلى بؤس ونكد وضنك، وتسدون أبواب النور بفتح أنفاق الظلام، ولم تلتفتوا إلى حكم الله سبحانه إن كنتم قرأتم كتابه في قوله سبحانه مخاطباً رسوله عليه السلام(وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) (الإسراء-٥٣)
وقول موسى عليه السلام فيما أنزل الله عليه من الكتاب حيث يقول سبحانه (قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون) (النمل -٤٦)
ويضرب الله الأمثال للناس بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة في قوله سبحانه، مخاطبا رسوله عليه السلام (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ* يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ*) (ابراهيم – ٢٤/٢٥/٢٦)
وقول الله سبحانه (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (العنكبوت -٤٦)
وقول الله سبحانه الذي وضع القاعدة العامة للحوار بين مختلف الأديان والشعوب دون بغي أو عدوان ودون إكراه أو طغيان، فلكل إنسان الحرية المطلقة في اختيار عقيدته وحساب الناس عند الله يوم القيامة وليس عند البشر، ولم يعين الله رسولا أو نبيا يراقب تصرفات الناس في عباداتهم، فوضع القاعدة الأزلية في التخاطب والحوار بين كل الناس في قوله سبحانه
(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل -١٢٥ )
وأود أن أذكر شيوخ الدين ومن يسير فى ركابهم بأن القرآن لم يختص الله به المسلمين، وأن رسالة الإسلام للناس كافة دون استثناء، وهي دستور حياة للناس جميعا، وليس القرآن موجها للذين شهدوا بوحدانية الله وشهادة رسوله، ولكنهم أهملوا رسالته التي جاءت في القرآن من شرعة الله ومنهاجه للناس في الحياة، ولن تجد آية في القرآن الكريم يخاطب الله المسلمين إنما كان الله سبحانه يخاطب المؤمنين ، لأن المؤمنين الذين صدقوا الله في إيمانهم به وطبقوا شريعته ومنهاجه
أما المسلمون فاحتفظوا بشعار الإسلام والعبادات فقط، ولذلك تم التعتيم على آيات القرآن وأحكام الله في الكتاب، واختزل شيوخ الدين كتاب الله في أركان الإسلام فقط التي لا تشكل من القرآن غير نسبة ضئيلة من السور والآيات البينات، التي تدل الإنسان على طريق السعادة والسلام والعدل والرحمة والإحسان، وغيبوا كل القيم والاخلاق النبيلة، وأماتوا ضمير الإنسان، حتى توحشت النفوس وقست القلوب وأصبحوا متعطشين للدماء ونشر الفتن والصراع وتخريب العقول ونشر الكراهية فهم أعداء الحياة وأعداء الإنسان.
فمن يا ترى منحهم سلطة إصدار الأحكام على الناس وعلى بقية الأديان يحرمون كما شاءوا التهنئة على إخوتهم في الوطن، لينشروا الفتن ويستبيحوا حقوق الناس التي منحهم إياها ربهم في كل زمن، ويمنعوا السلام بين الناس، والله في حكمه للناس أمرهم أن ينشروا السلام كما قال سبحانه: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) (النساء -٨٦).
فكل التكاليف الإلهية للإنسان تدعوه لنشر السلام ليتحقق الأمن والاستقرار من أجل أن يحيا الإنسان حياة كريمة، تحت ظل أحكام العدل في القرآن، فلا يتصور المسلمون بأن القرآن أنزله الله لهم وحدهم، بل أنزله لكل عباده من خلقه، فكل من آمن به وصدق ربه وطبق شرعته ومنهاجه سوف يكافأ بجنات النعيم ويعيش في الدنيا سعيدا ، وأما من أعرض عن كتاب الله وأحكامه واتبع هواه وسار في ركب الشيطان، فسوف يكون جزاؤه نار الجحيم ثم إن الله سبحانه قد أنذر الناس من التقول عليه والافتراء على أحكامه في قوله: (وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) (النحل – ١١٦).
تلك الآية تبطل مزاعم شيوخ الدين، وتسحب البساط من تحت أرجلهم، فلم يعطهم الله حق التحريم، ليضيقوا على الناس وتخرج أحكامهم من أفواه مريضة يحرمون على الإخوة المسيحيين البهجة والسرور هجروا كتاب الله وتمسكوا بروايات الشيطان ليضلوا الناس عن طريق الحق ويحكموا بمرجعية الشيطان، ولا يؤمنوا بحكم الله في الذكر الحكيم فسيلقون يوم القيامة جزاءهم بما كانوا على الله يفترون