وصية منقب..
أمي الحبيبة..
في الوقت الذي تصلك فيه رسالتي هذه.. سأكون قد إنتقلت إلى عالم البقاء.. لقد إنهار علي ومن معي البئر منذ قليل.. لذالك أرجوك أمي لاتجزعي، و تجملي بالصبر أمام زوجتي وأبنائي، فهم مازالو صغار..
أمي الغالية..
أكتب لك رسالتي هذه، وأنا لا أرى ورقتي ولا قلمي، ولا اعرف في أي مكان من الورقة أسطر حروفي..يدي وحدها تتحرك بصعوبة، بين جبال الرمال، فكل عضو مني معزول عن باقي جسدي.. في ظلام أسود مطبق..
لذالك أعذريني - أمي - إن تداخلت حروفي أو جاء بعضها فوق بعض..
أمي لقد بدأت أشعر بوهن شديد، يسرى في كل جسدي.. و باتت أنفاسي تتباعد بشكل يزيد من وهني، وعدم قدرتي على مواصلة كتابة رسالتي.. لذالك سأحاول أن أقتصر قبل أن يغمى علي..
أمي.. الصبر ثم الصبر.. فلطالما كنت صبورة، مؤمنة بقضاء الله.. ولقد تركت لك قطعا مني.. محمد وأحمد.. فليكونا لك عزاءا من بعدي، و واستوصيك بأمهما خيرا.. فقد ترملت وهي مازالت صغيرة، لم تفرح بعد في زواجها كثيرا.. فكوني بجانبها، و إن أتمت ما عليها من حق ، فأكريمها، و أوفيها حقها كاملا.. وشجعيها أن تبدأ حياة جديدة.. أمي سامحيني، إن كنت قد أغضبتك يوما، وسامحيني.. فلولا قضاء الله وقدره، لكنت رافقتك إلي بيت الله الحرام ، وزرت معك قبر النبي صلى الله عليه وسلم..
أمي.. لقد بدأت قواي تخور.. ولم أعد أستطيع مواصلة الكتابة..هي النهاية لا محالة .. فلم أشعر بأي محاولة لإنقاذي.. فالتربة فوقي مازالت كما هي، ساكنة، ومُطبقة ومظلمة ومخيفة ... فأنا أعرف جيدا أنه لا وسيلة لإنقاذي، فلقد شهدت سابقا حالات مشابهة قضى فيها العشرات من أمثالي..أمي سامحيني مرة أخرى، و أحتسبيني شهيدا عن الله تعالى..فأنا حقا شهيد العيش كريم..
أنا - يا أمي - شهيد الفساد..
وشهيد الغبن و البطالة و التدوير
أنا شهيد الأسعار و الغلاء..
أنا نموذج نهاية كل أمثالي..
انا الماضي والحاضر والمستقبل..
أنا أنا.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.. صل الله.. ع.. ل.. ي.. ه.. و.. س.. ل.. م.. أ..
البو ولد أحمد سالم