من رحلتين داخليتين في أرض الوطن؛ أصابني اليأس أو كاد، وكنت قبل ذلك أكثر الناس تفاؤلا، وأكثرهم إيمانا بأن شيئا ما سيتغير، وأن العوامل الخارجية ستفرض قدرا - ولو يسيرا- من التقدم نحو الأفضل، لكن سرعان ما تبدد ذلك الحلم أو كاد يتبدد؛ نظرا لسوء الأحوال التي لاحظت على جميع الأصعد وفي شتى المجالات.
ويكفيك أن تلاحظ مثلي ذلك بمجرد الانتباه وملاحظة ما سيصيبك في ذاتك من الضرر البالغ؛ لتدرك عمق الهوة، والبعد عن جادة الطريق المؤدية للإصلاح والبناء، وستتعطل مصالحك التي قاتلت من أجلها وكافحت سنين طويلة في الغربة لأجلها، وستوسم بالكذب والولاء للخارج، وبالعمالة حتى؛ ان أنت حاولت تنوير الرأي العام حول واقع بلدك، أو تكلمت عن أي مظهر من مظاهر الخلل والنواقص الكثيرة التي يعاني منها.
ليس الأمر بالغامض ولا بالخفي، بل هو واضح كالشمس في رابعة النهار، ويعرفه كل من يسكن في منطقة شمامة، أو المنطقة المحاذية للسكة الحديدية، وكذلك من كان يسكن في المناطق الشرقية.
في البداية كنت في عطلة أسبوعية مع أحد الإخوة في مشروع من المشاريع الزراعية في منطقة شمامة، فتعطلت جميع مصالحي واتصالاتي المرتبطة بالشبكة، وبعض المصالح المتعلقة بالاتصالات العادية.
اضطررت على خلفية فقدان الشبكة الدائم؛ للاستعانة بأحدهم يستخدم شبكة (أورانجorange) للجارة السنغال؛ لأبقى على اتصال بأهلي وعلى عام بما يجري في بعض مصالحي.
وقد كنت قبل ذلك في المغرب، وكان بعض الإخوة من المتواجدين في وطني؛ يتصل للحصول على بطاقة تعبئة لاتصالات المغرب؛ ليستخدمها حتى يبقى على اتصال بأهله وعملائه في وطنه، وهو يستخدم شبكة مغربية لبقى على اتصال بالإنترنت.
سافرت بعدها إلى مقاطعة جگني الحبيبة، وهي منطقة يسجل فيها على اللائحة الإنتخابية حوالي 22 ألف نسمة، ببلديات ثمانية، ومع ذلك لا وجود للشبكة على مستوى الشركات الثلاثة، على التوالي ماتل، موريتل، شنقتل، وهذه الأخيرة يزورك طائف من الريزو لمحة بالصبر، لينصرف بعدها.
أما الأولى والثانية فلا وجود للإنترنت بالنسبة لمورتل، أما ماتل فلا وجود لها على الإطلاق؛ لا من حيث الاتصال والا الإنترنت.
وإذا علمت أن حق التظلم قانونيا لا يملكه الأشخاص الطبيعيون، وعلمت أن الأشخاص المعنوية كالبلدية والمقاطعة لا تستطيع تحريك دعوى المسؤولية ضد هذه الشركات، وعلمت أن سلطة التنظيم تأخذ كرشوة سنوية عن تقصير هذه الشركات أو كغرامات مآت الملايين، وعلمت أن الضحية في ذلك المواطن الذي لا يدرك أن له حقا على هذه الشركات بموجب العقد، ذلك العقد الذي تلتزم بموجبه الشركة في دفتر شروطها، بأن ستوفر الشبكة على كل شبر من التراب الوطني، فكيف سيكون شعورك ؟
وكيف سيكون احساسك حين تدرك أن سلطة التنظيم متمالئة على مصالح شعبك؟
وكيف ستتخلص من الشعور بالرغبة في الانتقام من هذه الشركات الظالمة وممن يتآمر معها؟
بل كيف ستتخلص من الشعور بالدونية بالانتماء لوطن لا تجد فيه خدمة مدفوعة الثمن كالانترنت؟
تساؤلات كثيرة، طويلة، عريضة، لا تجد لها من دون الله كاشفة، ولاحول ولا قوة إلا بالله.
تأملات عاطل