يشكل السياقُ محورًا رئيسًا من محاور علم الدلالة، وقد أولاه العلماء - على تباين اهتماماتهم - عناية خاصة؛ لما له من دور فاعل في دراسة المعنى، والكشف عن الدّلالة الكَامنة بين ثَنايَا النصوص.
وتفيد المعاجم اللغوية أن معنى السياق هو التتابع والاتصال، فهو يعني: التركيب الذي ترد فيه الكلمة، ويُسهم في تحديد المعنى المُتصور لها، إضافة إلى ما يحيط بالكلمة المستعملة في النص، من ملابسات.
وينقسم السياق إلى لُغوي، لا يَنظُر إلى الكلمات كوحدات مُنعزلة، وغير لغوي؛ ينظر إلى كل ما يحيل إلى خارج النص من مؤثرات ( بيئية - تاريخية - سياسية - دينية - اجتماعية...) وهو ما يطلق عليه المقام، ( لكل مقام مقال ) ويتكون من ثلاثة عناصر، هي:
- شخصيتي المتكلم و المتلقي
- العوامل الاجتماعية والاقتصادية
- أثر الحدث اللغوي على المتكلم و المتلقي؛
ومن هنا يتبين أن ترتيب النص أو تأويله لا يَتَأتٍى إلا بالرجوع للسياق؛ لما يلعبه من دور مهم في جَلاَء النص، وإِمَاطَة الغموض والإبْهَامِ عنه، فمعنى الكلمة لا يبرزه إلا استعمالها في سياق معين، والسياقات والمقامات التي تقع فيها الكلمة، هي التي تحدد معناها، وتوضح دلالاتها.
لقد طالعت، بعد زيارة فخامة رئيس الجمهورية للملكة الاسبانية، مقطعا صوتيا، تم إخراجه بطريقة القص والتركيب، فيما يبدو، ليتسنى لبعض أصحاب النوايا المشبوهة استغلال بعض الفقرات المجتزأة من سياقها، لإشعال موجة من التحامل، غير المبرر، على حديث فخامة الرئيس.
ولقد أدركت عند سماعي للفقرات المركبة للحديث الذي تبادله فخامة رئيس الجمهورية مع أعضاء الجالية في إسبانيا، أن كل فقرة كانت في سياق رد على مداخلة لأحد أفراد الجالية، وأن فخامة رئيس الجمهورية، أراد من خلال تلك الردود، أن ينتهزالفرصة ليكاشف أعضاء جاليتنا في الجارة الأروبية بحقيقة واقع البلد الذي خلفوه وراءهم، وباتوا يتمنون أن يصير مثل الدولة التي يقيمون فيها، دون أن يقدموا، في سبيل ذلك، أي شيء، داعيا أولئلك إلى العمل بجد من أجل بناء وطنهم، مبرزا لهم الحالة السيئة التي يعيشها المواطن، بصدق وموضوعية، ومعترفا في ذات الوقت، رغم الإنجازات الكبيرة، أن هنالك أشياء لم تنجز بعد، بتواضع غير معهود من قبل، دون أن يتباها بالمنجزات الكبيرة التي تحققت في الفترة الوجيزة من مأموريته، رغم الأزمة الصحية العالمية، ودون أن يقدم صورة وردية للواقع.
فهل يعوز فخامته الحديث عن الإنجازات الشاخصة، على جميع المستويات الإقتصادية والاجتماعية... ؟ أم يعوزه التعبير ليقدم موريتانيا، غير التي هي في الواقع؛ وهو خطيب روساء البلد؛ سلاسة وبلاغة وفصاحة؟
كلا، بل الحقيقة أن هذا الأسلوب، الفريد، الذي يؤسس لمرحلة، جديدة، ترسخ موضوعية الحاكم، وتؤصل صدق الراعي مع الرعية، كان مفاجئا لبعض هواة التقول والتشويش، فطفقوا ....يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ ۙ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍۢ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ صدق الله العظيم
إسلم ولد عبد الرحمن ولد امينوه