كانوا رحماء بينهم فى حياة رسول الله كالطلبة أمام المعلم الأعظم محمد بن عبد الله ورسوله الكريم، وعندما توفاه الله تخلوا عن صفات الرحمة، وانتشرت بينهم الفتن وسالت بينهم الدماء، وسقط منهم الكثير من القتلى، فارتوت صحراء الجزيرة من دمائهم، يقتلون بعضهم، بالرغم من أمر الله لهم “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (آل عمران – الآية 103) وعدم استجابتهم لتحذير الخالق سبحانه في قوله ” وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ “(الأنفال- الآية46) وكان ضحايا تلك الفتن كثير من أهل بيت الرسول وأقربائه وعدد كثير من أصحابه المقربين، ليبين لنا الله سبحانه بأنهم بشر مثلنا، وليسوا مميزين عن بقية خلقه، تختلج في نفوسهم كل مغريات الحياة وشرورها، لديهم حب الدنيا وقساوة القلوب، يحبون ويكرهون، ينزغ بينهم الشيطان، ليوقع بينهم العداوة والبغضاء، لأنهم بشر وليسوا ملائكة، وحساب كل البشر جميعا عند الله يوم القيامة، على قاعدة أزلية فى قوله سبحانه وتعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8))(الزلزلة: 7-8)، حيث يصف الله سبحانه ذلك المشهد بقوله وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) الزمر وقوله سبحانه مخاطبا رسوله: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف: 110).
فإذا كان الله سبحانه يأمر رسوله بأن يبلغ الناس بأنه بشر مثل بقية خلقه، لكي لا يتخذونه وسيطًا عند الله أو شفيعا ليبالغ الناس فى تقديسه، ويحل الرسول محل المرسل، وذلك يعتبر عدوانًا وظلمًا لحق الله في أن نقدس غيره، وأن الانتساب للرسول لا يقدم شيئا للإنسان يوم الحساب، ولن تكون لأقرباء الرسول ميزة على بقية خلقه إلا من أتى الله بقلب سليم، وعمل صالحا، وقد بين الله للناس مكانة الرسول عليه السلام بقوله (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)(40: الأحزاب).
فلا يصدق الناس بعض العلماء وما غرروا به الجهلاء الذين رفعوا أهل البيت مكانة وتقديسا يبتغون عندهم العون فى الحياة الدنيا والشفاعة يوم الحساب، يذهبون إلى قبورهم يدعونهم ويتوسلون ليستجيبوا دعاءهم فيجيبهم الله سبحانه بقوله (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)(الأعراف:149) وقوله سبحانه وتعالى (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ)(الأعراف:195، إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)(الأعراف:196).
فالله سبحانه يبين للناس أن يتفكروا فيما يتلقونه من دعوات الباطل، ويمحصوها بعقولهم والآيات السابقة تحاور العقول بالمنطق، وبواقع الأموات الذين لا يستطيعون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، فكيف يستطيعون مساعدة الآخرين فى الدنيا والآخرة، والله سبحانه يخاطب رسوله الكريم بقوله سبحانه وتعالى (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)(النمل:80)، كما يبين الله للناس أيضا في كتابه المبين بأن عيسى عليه السلام مثل آدم خلقه من تراب، ليعرف أتباع المسيح أنه يجب عليهم تقديس الله الواحد الأحد خالق السموات والأرض الذى خلق عيسي بدلًا من تأليه عيسى عبد الله ورسوله، حيث يقول سبحانه: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (آل عمران: 59)، قاعدة إلهية تنطبق على كل الأنبياء والرسل أنهم جميعا خلقوا من تراب، وينطبق عليهم قانون الموت، وعلى كل خلقه دون استثناء لأحد، فيخاطب رسوله الكريم بقوله سبحانه (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) (الزمر: 30)، ويبعثون جميعا يوم القيامة عند الحساب، فإذا كان الرسول عليه السلام يخاطب الناس بأنه بشر اختاره الله لتبليغ رسالته فى خطاب الله له سبحانه (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)(الكهف:110) فمن المستحيل أن يطلب الرسول من الناس تقديسًا وترويجا لأساطير ومعجزات ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، وما نُسب إليه من روايات مفتريات فى علمه بالغيب وشفاء المرضى، وغير ذلك من الأكاذيب كما تروى الروايات المزورة عليه، كما نُسب إليه فى قول (يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسى) فقال الرسول (لا والذى نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فهل يتفق هذا القول المنسوب للرسول أمام ما نطق به الرسول عن ربه بقوله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(آل عمران: 31).
فالرسول يدعو الناس لحب الله إذا اتبعوه وما يبلغهم به من الآيات البينات تهديهم إلى الطريق المستقيم، وتخرجهم من الظلمات إلى النور فكيف تستوي الرواية المفتراة أمام هذه الآية من كلام الله الذى يدعو الرسول الناس بها أن يتبعوا ما أنزل الله عليه فى القرآن الكريم، ويشهد كل مسلم وكل مؤمن بأن القرآن الكريم كلام الله وآياته بلغنا بها رسوله الأمين، ولذلك علي المسلمين أن تستيقظ عقولهم لتمحيص ما يتلقونه من روايات تستهدف تشويه رسالة الإسلام والإساءة لرسول الله، وخلق الشكوك عند الناس، فلدينا كتاب الله ينطق بالحق على ما يدعونا الله ورسوله، لما ينفع الإنسان في حياته وآخرته، فإن كنا نحب الله ليغفر لنا ذنوبنا ويصلح أحوالنا ويبارك سعينا، فعلينا اتباع ما جاءت به الآيات في كتابه المبين من تشريعات توحيد وعبادات وأحكام وأخلاقيات وعبر في قصص القرآن الكريم، ليجنبنا سبحانه طرق الضلال، ويهدينا الطريق المستقيم، ويرزقنا من حيث لا نحتسب، فالرسول يدعونا لتأكيد حبنا لله باتباع ما أنزله عليه من آيات بينات، وسيحبنا الله ويرضى عنا ويحيينا حياة طيبة، فلا يمكن للرسول أن يقول شيئًا يتعارض مع كتاب الله، لذلك على العلماء والعقلاء من المسلمين أن يتقوا الله فيما يدعون إليه الناس وليتمسكوا بكتابه كما أمر سبحانه رسوله الكريم فى قوله (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف).
فلا مرجعية لرسالة الإسلام إلا كتاب الله، ولن يكون حساب الناس يوم القيامة إلا على مدى اتباعهم للآيات والتشريعات والعظات والأخلاقيات التى بلغهم بها رسول الله عليه السلام، وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للرسول فما الذى يميز أهل بيته أو الصحابة عن بقية خلق الله، فكلهم بشر، وكلهم لا يمتلكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، وكلهم سيقفون أمام الله يوم الحساب، وكل يلقى حسابه تطبيقًا لقوله (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11) (القارعة: 6-11).
إن التكليف الإلهي للرسول حدده الله سبحانه بكل وضوح أن تكون مهمته إبلاغ الناس برسالته، يتلو عليهم آياته ويشرح لهم مقاصدها لما ينفعهم في الحياة الدنيا، وليهديهم سُبل الرشاد، ليجنبهم أهوال يوم الحساب، ولم يكن في نص التكليف له في القرآن تعريف الناس بأيام معينة يستجيب الله دعوات عباده مثل النصف من شعبان، أو العشر الأواخر من شهر رمضان، لأن الله سبحانه خاطب الرسول بقوله ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) “(البقرة)، فالله سبحانه يُعرف الرسول بأن يُبلغ الناس أنه قريب من عباده، فليدعونه في كل وقت متى شاءوا، وأينما يكونوا، فلم يقل الرسول كلاما يتعارض مع ما أوكل إليه في القرآن الكريم، بتحديد أيام معينة يستجيب الله لدعاء عباده فهو معنا سبحانه أينما نكون، فكلها افتراءات على رسول الله بروايات مزورة تتعارض مع التكليف الإلهى بآياته في كتابه المبين، ثم يؤكد عليه السلام في الآية التالية بعدم علمه بالغيب حيث يقول سبحانه آمرا رسوله (قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ )(الأنعام: 50)، وكل ما يوحي إليه من ربه آيات بينات فى كتاب كريم، فلم يُخول الله الرسول أن يأتى بأقوال من عنده نيابة عن الله، أو يُدعى علم الغيب، بل ينفذ قول الله سبحانه: (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف: 2).
فلن ينفعنا يوم القيامة إلا أعمالنا، فلا وسيط ولا شفيع، حيث يكون حساب الناس يوم الحساب تنفيذا لقوله سبحانه: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)(آل عمران: 25).
فالحكم الإلهي على الناس يوم القيامة سيكون على قاعدة (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) (المدثر)، ثم يحذر الله عباده بقوله: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)(النحل: 111)، وقال سبحانه (الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)(غافر: 17)، ويصف الله يوم الحساب مخاطبا عباده بقوله سبحانه ” وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94) الأنعام.
ومن رحمة الله بعباده يرسل الله إليهم آياته منذرة ومحذرة لكي نرجع إلى الله وحده ولا نستعين بغيره ولا نشرك به أحدا ونتبع تشريعاته وعظاته ليهدينا الطريق المستقيم تأكيدا لقوله: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (السجدة: 21).
وما يعيشه العالم في وباء قاتل توقفت الحياة بسببه في كل مكان على الحياة الأرضية يذكر الناس بقدرة الله عليهم، ويرسل جنوده فلا يرونهم إنما يرون ما يسببونه للناس من فزع وخوف وهلع، وسقوط الآلاف من الأحياء أمواتا، ليتعظ الناس ويخشون غضب الله ، فيما يفعلون من جرائم في حق الإنسانية، ليرجعوا إلى الله وعن شركهم به على والاعتماد والتوسل بعباده، يرجعون إلى الله عن طغيانهم، يرجعون إلى الله عن ظلمهم وأكلهم أموال الناس، يرجعون إلى الله عن قتلهم النفس البشرية دون حق، يرجعون إلى الله جل جلاله فى اتباع كتابه، واتباع أوامره بالرحمة والعدل والإحسان والتعاون والسلام لكل خلقه.
الرجوع إلى الله مستيقنين بأنه سيجمع خلقه جميعا يوم الحساب رسلاً وأنبياء أو شهداء، المؤمنين والمشركين والمجرمين والرحماء، كلهم ينتظرون فى مشهد رهيب، ينتظرون الحكم إما جنة أو نار، إما رحمة أو عذاب، فمن آمن ولم يشرك بالله أو برسول أو نبي أو ولي وعمل صالحا فله جنة النعيم، وأما من أعرض عن آياته واتخذوا عباده من دون الله أولياء فهم الأخسرين أعمالا سيجزيهم الله عذاب ما كانوا يعلمون.