كتب السيد العميد الساموري ولد بي .
عندما تنهار الدولة تحت إشكالية الهوية الوطنية والخوف من المجهول .
نتابع منذ فترة خطابات وتصريف الأفكار المشحونة بالكراهية والانفعالات المتعصبة والتشنج الغير معتاد مع محاولات يائسة لقلب الحقائق وإعطاء الرأي العام صورة مقلوبة ومغلوطة من تيار تغذيه الأفكار الفلسفية الضيقة التى تعود بنا إلى المربع الأول، حقبة الكراهية وما أدراك ما الكراهية ...
إن تنامى هذه الأفكار المدفوعة من تيار قومي مغرور بالأوهام والأحلام، تهدف إلى تعكير وتسميم الاجواء ببلد فى غنى عن ذلك ، بلد يحتاج أكثر إلى الإستقرار والسلم حاجته لدولة مواطنة تجمعنا وتعدل بيننا كأفراد في المجتم الواحد لنا مصير واحد مشترك، هذا ما يجب أن نعمل كلنا من أجله لأنه هو منطق الصواب ومنطق العقل الرشيد، وهو أيضًا ما يخدم المصلحة العليا لهذا البلد المنهار والمغلوب على أمره، وإن كان المراد من كل هذه الإرهاصات هو أن نسكت ونستسلم لهذا الواقع الغير لائق والغير مقبول، فلن يحدث ذلك بإذن الله .
أما التمادى فى اختطاف الدولة والإنفراد بها وبمقدراتها فليس بالمقبول ولن نسكت عليه، وكذلك ممارسات التمييز العنصري الممنهجة لن نسكت عليها تحت أي ظرف من الظروف.
نعم ، ينتابنى القلق والخوف مما أرى من قادم يهدد كيان هذا البلد الهش ويشتت شمل المجتمع الموريتانى وذلك حينما تكون النخبة والمفكرين والإعلامين الرموز هم الذين يؤججون الفكر الضيق والعنصرى فى اتجاه صراع داخلى وفتن بدافع الأنانية ورفضا للآخر على أساس اللون دون اعتبار للوازع الديني والإنساني والأخلاقي ، مورس ما مورس من انتهاكات فى حق البعض، تلك الأفعال والأفكار والممارسات المشينة بل و المخالفة لديننا الحنيف ( الاستعباد فى أبشع أشكاله ، الحرمان ،والإقصاء ، التنكيل وهضم للحقوق الأساسية )تبقى هى الميزة البارزة فى ثقافة وسلوك البعض مع النظرة الدونية والتهكم .
تابعت الكثير مما كتب وعبر عنه البعض من النخبة من بينهم أحمد ولد هارون ولد الشيخ سيديا فى كتابه، عن أن مستقبل البيظان فى هذا البلد فى خطر وأنهم مهددون بالإنقراض ، ولكن لم يقل من هو المسؤول عن ذلك وتكلم عن قلة ولادتهم و لم يقل لنا من هو المسؤول عن ذلك، ولد الشيخ سيديا فى كتابه عن البيظان، لم يقل أن البيظان احتووا على الدولة الموريتانية وانفردوا بها دون المكونات الأخرى وبأنها فعلة غير عادلة ومشينة ، اسلمو ولد عبد القادر سبقه فى هذا الطرح وكثيرون آخرون كتبوا وعبروا عن مستقبل البيظان فى موريتانيا ، واستمعت لصوتيات بعض تلك النخب مثل خطرى ولد اجه وعبد الفتاح ولد اعبيدن و إعلاميين متميزين محترمين كتبوا ما كتبوا مثل محمد محمود ولد بكار والقائمة تطول، لكن كتاباتهم وصوتياتهم تصب كلها فى نفس المنحى، كلهم يشيرون بشكل او بآخر أن الحل المجدى يكمن فى التصفية العرقية بدل التحاور من أجل إيجاد الحلول الملائمة بهدف العيش المشترك والتعايش السلمي بين المكونات الوطنية فى جو يسوده الإستقرار والوئام بين مكونات المجتمع .
آسف أن يكون ما ذكرته هنا هي زبدة تفكير النخبة وأبناء " لخيام " أصحاب الأمجاد والألقاب هؤلاء، اي أن " أولاد لخيام" الذين " اعليهم العار" والمسؤولية فى فشل الدولة المريتانية التي أعطتهم إياها فرنسا دولة الإستعمار على طبق من ذهب ضمن تفاهمات واتفاقيات مع شيوخ القبائل لا تخلو من الشبهة .
والعجيب فى الأمر إن " ابناء الخيام " المتعالون على غير بشرتهم اختطفوا الدولة ومقدراتها وفشلوا فى إدارة شؤونها بل افلسوها وافقروا الشعب وساد الظلم والحيف والإستعباد وهم يسيرونها بمفردهم، كانوا ومازالوا دونما شريك.
احتكروا كل شيء فى هذه الدولة، السلطة والثروة والمال ودجنوا كل من اسودت بشرته ، وهذه الصورة النمطية تراها لاصقة على شاشات التلفزات والفضائيات الإعلامية وفى الدوائر ومفاصل الدولة لتبقى شاهدة على حجم الكارثة التي الحقت بالمكونات الأخرى بدون مبرر يعقل ، الشيء الذى يتطلب مؤتمرا وطنيا وليس حوارا مولودا ميتا من أجل تفاهم وطنى يحد من الأزمات والمظالم ويوصلنا للنتائج المنشودة .
يتكلمون عن الخوف على مستقبل البيظان ، يمكننا القول ألا علم لنا بوجود من يكن العداوة لمكون البيظان أو عنده نيات بمواجهتهم بفعل أو غير ذلك، لكن ربما العكس وارد .
لحراطين أناس مسالمون وكل ما يبحثون عنه هى الحرية والكرامة وحقوقهم المشروعة التي يكفلها الدستور لجميع أفراد المجتمع دون تمييز.
يتكلمون عن حقوق البيظان وهم من يحتكر كل مقدرات الدولة ويقصون الآخرين جهرة دون خجل .
لعله السؤال الصحيح أين هي حقوق الآخرين وأنتم المسؤلون عنها، أين مكانة الآخرين في مفاصل الدولة وأنتم أصحاب القرار ، أين هي مكانة مكون الحراطين وسط القبيلة فى جموع حاضنة البيظان أو فى مفاصل الدولة وتوزيع الثروة والمصالح رغم أنكم تعتبرونهم جزء لا يتحزء من مكون البيظان ، أين هي النتيجة من هذا الزواج الغير شرعي ؟
اذا ، إنطلاقا من هذه الإعتبارات وهذه الصورة القاتمة التي تتحدث عن نفسها وبنفسها، تفرض على الموريتانيين الحوار والتحاور البناء لأننا في مأزق حقيقي وننزلق رويدا رويدا نحو الكارثة وليست تلك التهديدات الطائشة والألفاظ النابية والعبارات الخشنة، إلا من بوادر عدم صحة الوضع رغم أنها تنم عن ضعف الحجج لديهم .
نحن ندرك أن هذه الإرهاصات والتربصات والتسجيلات والكتابات التي يبدو أنها منسقة وموجهة، تهدف إلى تقويض الحوار المزعوم والذى هو مولود ميتا من أجل الحيلولة دون التطرق للقضايا الكبرى المسببة - حسب اعتقادنا - في ما تشهده البلاد من أزمات متجذرة وذات أبعاد عميقة ومتعددة .
أمام هذه المواقف المتحجرة والفكر الماكيافيلي،
نؤكد على أن أي حوار مهما كان شكله فى هذا البلد ، يجب أن يأخذ بعين الإعتبار مشكل لحراطين بشكل يضمن حقوقهم السياسية و الإقتصادية والإجتماعية، ولم لا ؟ وهم المكون الرئيسي ، وأي كلام عن حقوق لحراطين لا يوصل للإعتراف بهم دستوريا كمكون وطني يتميز عن الآخرين ، يبقى ناقصا ومرفوضا .
كما نرى أيضا إن مشكل الهوية الوطنية باتت مطروحة ويجب البت فيها فى أي حوار مرتقب أو مؤتمر وطني ضمن إشكالية الوحدة الوطنية، إضافة إلى باقى القضايا الشائكة كملف الإرث الإنساني والرق والتعايش السلمي بين مكونات البلد يفضى إلى التفاهم والتصالح وتصحيح الإختلالات البنيوية بما يضمن توزيع السلطة والثروة والإشراك فى تسيير شؤون البلد وتصحيح وضعية المؤسسات الجمهورية والدستورية حتى تعكس صورة المجتمع بكاملها.
السامورى ولد بي
انواكشوط 16/05/2022