وعدوا الله في دعواهم للتمسك بكتابه والسلوك بمنهاجه، كما اقتضت آياته في قوله سبحانه مخاطباً رسولّه الأمينّ (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)) (الزخرف: 43-44)، أمر منالله لرسوله عليه السلام بالتمسك بكتابه، وهو أيضا ذِكرٌ لقومه وأصحابه وسوف يسألهم اللهُ يومَ الحساب هل تمسّكوا بآياته وهل طبّقوا تشريعاته وهل كان سلوكهم وفق منهاجه الذي أمر بِتَطْبيقِ سنّة رسوله في قرآنه، وما علّم الله رسوله من الخلق العظيم كما وصف الله رسوله الأمين بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) وأضاف لرسوله تكليفاً للناس بقوله: (وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ) (الأنبياء:107).
فأين أخلاق المسلمين اليوم، هل اتبعوا ماوصف الله به رسوله في القرآن الكريم من القيم النبيلة والخلق القويم تربية للنفس وتزكية للعقل وطهارة للقلب ليكون التعامل بين الناس جميعاً بالاخلاق والرحمة وتطبيق شرعة الله ومنهاجه فلم يتمسك المسلمون كما أمر الله بكتابه وتشريعاته غير اقامة شعائر الدّين من صلاة وزكاة وصيام وحج بيت الله فقط، وقد افلسوا بأعمالهم المتناقضة مع المنهاج الإلهي، وصراعهم على الدنيا في تعاملهم مع الناس بالقسوة والاستبداد، والظلم والطغيان والبغي واستباحة حقوق الناس، وقتل الإنسان وسفك دماء الأبرياء.
فماذا بقي لديهم من قيم الإسلام وأخلاقياته ورحمته التي تدعو للرحمة والتعاون وتحريم العدوان على الانسان في كل مكان، هل بعد كل ذلك الإجرام يكفي ان يلفظ اللسانُ الصلاةَ على الرسول عليه السلام ويفغر الله له ذنوبه بعد ما ارتكب كلّ أسباب العصيان، ولذلك لابدّ من اعادة فهم ماتعنيه الآية الكريمة ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب: 56)، حتى لايستمر المفهوم المتوارث، يردّده المسلمون دون معرفة مقاصد الآية، ويستسلمون للروايات التي تستدرجهم الى طريق الضلال الذي يتعارض مع مقاصد القرآن، وأن تّردِيدَه كما شُبّه لهم بأنه يضاعف حسنات المسلمين ويقرّبهم من الله سيفاجأون يوم القيامة بَمَنْ يقول لهم نأسف رصيدكم من السيئات طغى على الحسنات،لأنّ الَرسول دعا الناس في قول الله سبحانه على لسانه عليه السلام ليتبعوه بما يبلغهم بهممّاأنزل الله عليه من آيات القرآن الكريم، ويطبقوا تشريعاته ومنهاجه لكي يحبّهم الله ولم يَدْعُهُم الرسولُ عليه السلام لمحبته شخصياًبل يَدْعوُهُم لكي يتقرّبوا من الله ليحبّهموليغفرَ لهم ذنوبهم في قوله سبحانه مخاطباً الناس ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (آل عمران : 31)، يبيّن عليه السلام للناس كيفية الوصولالى التقرّب من الله وطاعته، في كل ما أمر بهِ ليهديهم الى طريق الخيروالحياة الطيبة في الدنيا ويجزيهم في الآخرة جنات النعيم،ولن نجد نصاً في القرآن الكريم أن الرسول يطلب من المسلمين محبّتَه و أن يتقرّبوا اليه،بل قال الله سبحانه مخاطباً رسوله عليه السلام ( قُل إِن كانَ آباؤُكُم وَأَبناؤُكُم وَإِخوانُكُم وَأَزواجُكُم وَعَشيرَتُكُم وَأَموالٌ اقتَرَفتُموها وَتِجارَةٌ تَخشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرضَونَها أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّـهِ وَرَسولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأتِيَ اللَّـهُ بِأَمرِهِ وَاللَّـهُ لا يَهدِي القَومَ الفاسِقينَ) (التوبة: 24).
فمحبة الله أمر حتمي، فهو خالق الناس وهوالمنعم وهوالذي يحيهم ويميتهم، وهو الذي سيحاسبهم يوم القيام وبيده المنح والعطاء وبيده الجنة والنار وبيده أن يُعِزَّ مَنْ يشاء وُيذِلَّ من يشاء وبيده الخير وهوعلى كل شيئ قدير، ومحبة الرسول بما يحمله من خطاب الله للناس في آيات الذكر الحكيم ليبشّر المؤمنين، وينذر الكافرين وينطق بلسانه آيات الذكر الحكيم فوجبت محبة الرسول بما يحمله من نور إلهي يهدي الناس به في الحياة الدنيا الى طريق الحق المستقيم، ليحصّن الناسِ بآيات الله اذا اتبعوها في الدنيا من نار الجحيم وهو الطريق الى الله بما كلّفه الرحمنُ سبحانه ليرشد الناس الحياة الطيبة والعيش الكريم، بل أمر الله سبحانه استمرار المسلمين بصلة دائمة بدعوة الرسول الأمين وما بلّغهم به من الآيات البينات ليحقّق لهم محّبة الله، ليغفرَ لهم ويرحمَهم ويرزقَهم من الطيبات وينزّل عليهم السلام والبركات والطمأنينةويحقّق لهم وعده سبحانَه في قوله (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى) (طه: 123).
ولذلك تؤكد الآية الكريِمة بأنه من يتّبع هدى الله في آياته في كتابه المبين فقد أحبّه الله وجنّبه شقاءَ الحياةِ الِدنيا وسيجزيه نعيمَ الآخرة،وإن عصى اللهَ وتنكّر لكتابه كما قال سبحانه (وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى) (طه: 124)، فللإنسان حرية اختيار أي الطريقين، دون إكراه أوترهيبٍ، وسيكون حسابه عند الله يوم القيامة بما اتخذه من قرار الايمان بالله واتباع كتابه أو الكفر بالله والإعراض عن آياته في قرآنه وسيكون المعيار قول الله سبحانه (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثّر: 38)