لا سلطان للأخلاق على سلوك الساسة، ولا وفاء لسلطان ولا محبة لغير سلطان المنافع والزلفى..!
آه.. ما أشد حزن الصمت بعد الضجيج، و ما أسوء الهجر بعد العناق، وما أقسى الوحدة بعد الأولفة و الاجتماع..!
عجيب هو أمر الساسة! إنهم ساديون، متنكرون، لا يحفظون للعهد إلٌا ولا ذمة، ولا يصونون لصديق كرامة ولا يقيمون له على وفاء..!
"سلطان" الذي كان يقيم نهدي الدنيا ويقعدها إن قام أو قعدا، يهجره الخلان، ويزاور عنه الأصداقاء.. يسلموه لمقعد فريد، بعد أن كانوا يقتتلون لنيل حظوة عنده، أو للفوز بمقعد هو من كان يقرر من ينال شرف الجلوس عليه..!
"سلطان" الرئيس الهادء الكيس والوقور.. يجلس وحيدا شارد الذهن مشتة الأفكار، يتأمل عُباده وهم يطوفون حول زائر جديد، يسجدون أكثر من ركعة ويسبحون بحمد الوافد الجديد..!
إنه نفس التسبيح والتقديس الذي ألفه "السلطان..!
فسبحان ربك رب العزة عما يصفون.
لا شيء عن يمين "السلطان" ولا شيء عن يساره! إنها لحظة الانكشاف، لحظة خروج الدم من أوردة البشر.. لحظة موت الإنسان في الإنسان..!
الجموع نفسها تقفوا نفس الأثر، وتسير على نفس الخطا تسابق بعضها، تعلن البراء والولاء، في مشهد شاحب وباهت، بلا أنوار ولا ظلال.. إنه ذات المنحدر وعين المسار..!
"سلطان" راحل يرنو بعين حزينة ويتأمل بقلب كسير كيف تُحَوِلُ الزوابع أشياءه، أملاكه، عُباده.. إلى مجرد مقدمي أطباق على مائدة وارث لعرشه الحبيب..!
وملء فاه يضحك "السلطان" الوارث، ويوزع الحبور على ممارسي عهر الولاء وناخسي الوفاء..!
إنه ابتلاء " السلطان" وسلطان الابتلاء.. إنه "الإنصاف" في زمن الأشباه و "الأنصاف".. فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون.