دخلت النخب السياسية بالداخل فى حراك مبكر من أجل حسم مرشحيها لمقاعد المجالس المحلية والجهوية والنيابية، مع إطلاق الحكومة للمسار المحضر لانتخابات 2023 ، وانخراط حزب الإنصاف الحاكم فى عملية داخلية تهدف إلى إقرار تغييرات جذرية فى قيادته الحالية قبل مطلع أكتوبر القادم.
وتعتبر مقاطعة تمبدغه بالحوض الشرقى من أبرز معاقل الصراع السياسى بالولاية، بحكم تعدد الفاعلين السياسيين داخل المنطقة، واختلاف الرؤى بين الفسيفساء السياسية والقبلية المشكل لها، وتراجع بعض القوى التقليدية الحاضرة فى المشهد بقوة سابقا، وصعود أخرى فى الوقت الراهن، بحكم الحضور الشعبى داخل المجالس المحلية ومركز المقاطعة ، والنفوذ المالى لبعض النخب الصاعدة فى الوقت الراهن.
وبحسب المعلومات المتداولة داخل الأوساط المحلية حاليا، فقد دخلت قوى تقليدية جديدة داخل بعض المجالس المحلية فى الريف على خط الصراع الدائر على المقاعد المخصصة للمقاطعة فى مجلس النواب، وهو أمر قد يزيد من الإرباك الحاصل داخل القيادة المحلية لحزب الإنصاف الحاكم فى الحوض الشرقى، وقد يمنح فرصا أقوى لبعض الأحزاب الصغيرة داخل الأغلبية، وربما حزب تواصل المعارض من أجل خوض غمار انتخابات نيابية مختلفة عما عاشته المقاطعة منذ عقود.
لم يعلن نواب المقاطعة فى الوقت الراهن (دونه ولد المختار والبو ولد خطورى) عن خوض جولة جديدة من الصراع، بعد معركة 2018، والتى كانت استقالة الراحل محمد ولد محمدو حاسمة فى تمهيد الطريق لهما من أجل العبور نحو البرلمان، بحكم وجود كتل سياسية قوية كانت ترى فى النائب محمد ولد محمدو واجهة لأي فعل يراد له أن يثمر، وكانت ترفض التنازل عنه، ولديها الأغلبية المطلقة بهيئات الحزب والحضور الطاغى بكل المجالس المحلية، قبل أن يقرر هو بنفسه الاستقالة من الترشح، وإفساح المجال أمام الحزب الحاكم لقيادة تسوية سياسية جديدة بالمقاطعة.
غير أن بلدية حاسى أمهادي (كبرى المجالس المحلية المحلية بالمقاطعة) تعيش الآن نقطة تحول بالغة الأهمية فى مسارها، وربما تكون الرافعة لأي ترشيح يراد له النجاح، بحكم القوة الشعبية والحضور المالى لبعض الفاعلين فيها.
ولايبدو بحال من الأحوال أن التحالف الذى يقوده العمدة المخضرم سيدي محمد ولد ياب سيكتفى بالفوز بمنصب عمدة البلدية من جديد، بل إن طموح الكتلة السياسية الوازنة فيها يمتد هذه المرة إلى الفوز بأحد مقاعد المقاطعة فى البرلمان، ويبدو أن المرشح الأوفر حظا عن الكتلة السياسية المذكورة هو رجل الأعمال الصاعد سيد الأمين ولد أميمه، والذى من شبه المؤكد إعلانه خوض غمار انتخابات 2023 كمرشح لمنصب نائب تمبدغه عن الحزب الحاكم أو أي حزب آخر، فى ظل الشعور المتصاعد داخل مجموعته القبلية بالإقصاء، وتجربة الشراكة غير المرضية ببلدية تمبدغه خلال المأمورية الأخيرة.
ويتمتلك ولد أميمه علاقات قوية بالنخب الشبابية بالمقاطعة، ولدى مجموعته القبلية تحالفات عابرة لثلاثة من المجالس المحلية بالمنطقة (بلدية حاسى أمهادي/ بلدية الصحبى/ بلدية تمبدغه).
واقع بلدية حاسى أمهادى لبس الوحيد المعقد داخل المقاطعة، فبلدية أطويل بتركبتها السياسية كذلك، لاتبدو مستعدة لإعادة رسم نفس المشهد السابق، بل إن العمدة الحالى للبلدية سيدى محمد ولد وياس يبدو من الطامحين لتعزيز مركزه كعمدة، بخوض الانتخابات النيابية كمرشح عن الحزب الحاكم، ليكون بذلك أول سياسي من مجموعته القبلية (لحمنات) يكسر الإقصاء المفروضة بقوة على المجموعة فى العديد من الدوائر الموجودة فيها كقوة ناخبة لها تأثير مشهود (أم الحياظ بلعيون/ ترمسه بكوبني/ أطويل بتمبدغه/ أنولل بالنعمة/ أنبيكت لحواش) .
فرض ولد وياس الهزيمة على الحزب الحاكم فى دورتين متتاليتين، وانضم إليه أخيرا وهو عمدة، ليكون الثانى من مجموعته القبلية الذى يطيح بالحزب الحاكم فى انتخابات ٢٠١٣ بعدما أعلن ترشحه ضد الحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم ساعتها فى أطويل، وتبعه ابن عمه الفتح ولد عبد الرحمن فى أم الحياظ ، وتمكنا من العبور بسلاسة فى أم الحياظ (الشوط الأول بفارق 750 صوت) ، وفى أطويل من الشوط الثانى بأغلبية صادمة لكل الذين تحالفوا ضده، وبينهم نواب ووزراء وشيوخ عشائر.
وفى تمبدغه المركز (بلدية تمبدغه) تحتدم معركة داخلية من أجل الفوز بترشيح الحزب الحاكم بين العمدة الحالى أحمدو ولد محمدو، والعمدة السابق أعل ولد الشيخ محمد الأمين، ولكل منهما طموح للفوز بمقعد برلمانى داخل الجمعية الوطنية (البرلمان) كذلك، والحرص على تثبيت المكانة داخل المجلس البلدي، مالم تنضج تسوية داخلية بين الأطراف المذكورة.
ولايستبعد خوض المدير الجهوى للتعليم بنواكشوط الغربية بمبله ولد جلفون غمار انتخابات البلدية المركزية، فهو فاعل سياسي كبير، ولديه علاقات ممتازة مع بعض القوى القبلية من خارج البلدية المركزية، والتى نزح منها الآلاف خلال الفترة الأخيرة إلى المدينة.
ومن المستبعد أن يغادر العمدة المساعد لبلدية تمبدغه محمد ولد دحمان المشهد، بل إن المكاسب التى حققها وهو مرشح مستقل، وتارة كمرشح عن حزب مغمور، أو داخل ائتلاف قوى كالحزب الحاكم، هي مكاسب يصعب التفريط فيها، وسيظل ترشحه لمنصب العمدة مطروحا بقوة، مالم تحدث تسوية تمنحه حضورا فى المشهد الإداري أوالتنفيذى، بحكم تجربته السياسية، وشعوره مع آخرين بأهمية التصدي لدور أكبر فى المقاطعة، بعد التراجع الكبير لأدوار النخب السياسية التقليدية.
ولم يظهر وزير التجهيز والنقل السابق محمد ولد محمدو ولد أمحيميد فى المشهد، لكنه فى النهاية يظل من الخيارات المطروحة لدى صناع القرار، بحكم الخدمة مع الحكومة الأولى والثانية، وتبنيه من طرف بعض الكتل المحلية كواجهة سياسية إبان توزيره.
أما رئيس قسم الحزب الحاكم فى المقاطعة عابدين ولد الزين، فقد يتشبث بمكانته السياسية الحالية كنائب لرئيس الجهة، فى ظل تجربته الأخيرة، والتى كان فيها أحد المهتمين بالتجربة الجديدة للمجالس الجهوية، وأحد المستفيدين منها سياسيا وإعلاميا، بحكم منصبه كنائب أول للرئيس.
ويشكل الحضور المتصاعد لحزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية المعارض فى المقاطعة مصدر قلق وأمل فى الوقت ذاته لكل المتصدرين للعملية السياسية، بحكم وجودة قوة منظمة وفاعلة، ولديها نخبة شبابية منشغلة بالعمل السياسى، وقدرته على قلب الطاولة فى لحظات الإحتكام إلى الصناديق فى جولة الإعادة، كما وقع 2018 فى المجلس البلدي بتمبدغه، رغم ضعف المكاسب التى حصدها من التحالف مع العمدة الحالى أحمدو ولد محمدو، وهي تجربة قد تصب فى صالح أي منافس جديد للعمدة الحالى، بحكم الشعور بالغضب داخل النخبة المحلية المنتمية للحزب، مما آلت إليه بنود اتفاق التحالف المعلن بين الشوطين.
ويظل الدفع بمرشحين عن حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية المعارض(تواصل) للبلدية المركزية والمجالس الجهوية والنيابية أكثر من وارد، بحكم الحضور الفعلى فى تمبدغه المدينة، والحاضنة الإجتماعية للعديد من رموزه بالمنطقة داخل المجالس المحلية الأخرى، وخصوصا أطويل ومركز بوسطيله الإداري.
كما أن إمكانية تحالف الحزب مع المغاضبين من حزب الإنصاف يظل مصدر قلق للأخير، بحكم قابلية التعايش بين رموز النخبة السياسية فى الداخل، وتقارب الرؤى والأفكار فى الكثير من الأحيان، والحاجة المتبادلة للتعاون والنحالف من أجل كسر هيمنة الخصوم، ووجود روابط اجتماعية يصعب تجاوزها فى الكثير من الأحيان.
تمبدغه/ الحوض الشرقى
نقلا عن زهرة_شنقيط
ا
آخر