خلق اللهُ تعالى السماوات والأرض، وخلق الإنسانَ وأرسل له الرُسلَ بالبينات، واختتمهم برسوله الكريم- محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام- وكلفه بِحَمل رسالة الإسلام للناس وتبليغها لهم. حيث تضمنت منهجًا متكاملًا لحياة الإنسان يستعين به على مسيرته الحياتية، ويُضيء له طريق الخير ويحذره من الوقوع فى براثن الشيطان، ويحقق للإنسان حصانة دائمة من إغراء النفس الأمارة بالسوء، فأمر رسوله بقوله سبحانه:
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة-67).
ما الذي أنزله الله على رسوله؟.. أليس كتابه الحكيم والقرآن المُبين، خطاب الله للناس جميعًا؟
وماذا أمره الله سبحانه حيث خاطبه بقوله: (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ((ق 45).
إذًا التكليف الإلهي للرسول هو التذكير بالقرآن فقط وليس بشيء آخر.
ثم حدد له اُسلوب التبليغ للناس بقوله سبحانه: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل 125).
وعلَّم رسوله اُسلوب الدعوة، فالله يَعلم من ضَل طريقه ويَعلم بالمهتدين. ويستمر المولى سبحانه في توجيه رسوله للقيام بمهمته بقوله لرسوله: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ). (البقرة 272).
ويستكمل الله سبحانه تعليماته لرسوله بقوله: (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ). (الأعراف 2).
ثم يخاطب الله سبحانه المسلمين بقوله: (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ). (الأعراف 3).
فالله سبحانه يأمر المسلمين بعدم اتباع احد من البشر بلا تبع واما جاء من ربكم بالبينات والهدى واعملوا بما امركم به ربكم ثم يضرب الله مثلا للناس بقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ). (آل عمران 23).
ويوجه سبحانه رسولَه بان يَعلم مدى حدود مسؤوليته فى تبليغ الرسالة بقوله سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ). (الأنعام 107).
وبهذا التوجيه الالهي، يوضح الله لرسوله أن عليك التبليغ بالأسلوب الذى كلفت به، ولست على الناس بوكيل عن يتحاسبهم وتراقبهم فى أداء شعائر العبادات.
فذلك الأمر اختص الله بها وحده بينه وبين عباده، ولَم يعط الله سبحانه رسولًا أو نبيًا أن يكون وصيًا على عباده.
فقد وضع الله سبحانه قاعدة عامة لعباده يحاسب الناس بها في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). (الحج 17)
فهل بعد الآيات القرآنية التي نقلها الرسول الكريم عن ربه والتشريع الإلهي للناس أن يتبع المسلمون اجتهادات بشرية ليسوا ملزمين باتباعها؟
وما سيحاسبون عليه يوم القيامة هو قول الله سبحانه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ). (الفرقان 27- 28)
فمن لم يتخذ مع الرسول سبيلًا واتبع مأ انزل الله عليهم آيات كريمة ثم نكص على عقبيه واتخذ بعض ما يسمون بعلماء وآئمة ولَم يتبع ما أنزله الله على رسوله خسر الدنيا والآخرة.
وأن الله برحمته للناس يذكرهم فى آياته ويحذرهم من مغبة هجرهم للقران بقوله: ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ). ( طه 123- 126).
يؤكد سبحانه فى هذه الآية لمن يريد أن يعيش سعيدًا فى حياته فليتبع آياته وله فى الآخرة جنة النعيم، ومن أضله الشيطان وأنساه اتباع آيات الله وقرآنه فسيعيش حياة الضنك والبؤس والتعاسة وجزاؤه عذاب يوم الحساب.
والله سبحانه يخاطب رسوله بسوءال استنكاري بقوله: (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ). (الجاثية 6).
فكأنما تكون إجابة الرسول بقوله مشتكيًا لله ان السبب هو قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ). (الفرقان 30).
عندما هجر المسلمون القران واتبعوا الروايات المفتريات على الرسول حتى طغت الروايات على الآيات تفرق المسلمون وتمزقوا إلى طوائف وجماعات وتعددت المرجعيات حدث الصراع بينهم والاقتتال وشبت الحرب فتساقط أصحاب رسول الله بالآلاف مضرجون بدمائهم لأنهم لم يحكِّموا بينهم كتا بالله ولَم يتبعوا نصائحا لرسولوه ويبلغهم بقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ ). (آل عمران 103). فبدلًا من الاعتصام بحبل الله القران الكريم تم عصيان أوامر الله وقد حذرنا بقوله: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ). (طه 124)
وها نحن الْيَوْمَ نعيش حياة الضنك منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا.
لقد وضع الله تشريعًا كاملًا للناس وأمرنا باتباعه، فلن يسعفنا ابن حَنْبَل ولا ابن تيمية ولا البخاري ولا غيرهم من البشر يوم القيامة إلا أن نتبع إمامًأ واحدًا هو رسول الله عليه الصلاة والسلام وكتاب واحد مرجعيتهم الوحيد فى كل تشريعاتهم.
فكل من اعتمدوا على الروايات وقدموا الخطاب الديني على أساسه الم يكلفهم الله بتلك المهمة ولَم تتنزل عليهم الملائكة بتكليف من الله ومعهم تعاليم إلهية غير كتاب الله.
فليستيقظ المسلمون من غفوتهم…
وأخشى ما أخشاه أن يقابل الإنسان ربه يوم القيامة ويكتشف بأن رصيده نفذ ولَم يبق له رصيد يخفف عنه العذاب.
إن الله حينما أمر المسلمين بقوله سبحانه: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا). (الأحزاب 21)
إنما يريد الله للمسلمين أن يقتدوا بأفعاله ويتأسوا بسلوكياته التي هي ترجمة فعلية للقرآن الكريم على أرض الواقع وأسلوبه بالالتزام بالمنهج الإلهي فى القرآن الكريم.
* مدير ديوان الرئاسة السابق بدولة الامارات العربية المتحـــــدة