لم يكمل رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى راحته السنوية كما كان مخططا لها، بفعل الأوضاع الطارئة بالبلد، وتحمله المسؤولية للوقوف مع شعبه فى لحظة مفصلية من مناخ بلد صحراوى قيد التشكل من جديد.
ولم يخلد للنوم والراحة فى منطقة "بومديد" كما توهم البعض، رغم أجواء الخريف الساحرة، بل كانت مجمل أيامه فرص أخرى لنقاش أوضاع المنطقة، واستقبال بعض الفاعلين فيها، وحلحلة بعض الإشكاليات العالقة، وترتيب بعض الأجندة السياسية مع كبار معاونيه، والإستماع إلى بعض الرؤي ومراجعة بعض الملفات الشائكة من وقت لآخر، فى ظروف مناخية مواتية للتفكير والتدبر واتخاذ القرارات الملائمة.
غير أن الهدوء الذى عاشته العاصمة نواكشوط فى غياب الرئيس، وأجواء التعب والنصب الناجمة عن الأمطار الغزيرة المسجلة خلال الأيام الأخيرة، قد تتغير بشكل متسارع بفعل عودة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى فى مستهل موسم سياسى وتنفيذى بالغة الدقة والصعوبة فى نفس الوقت، وأجواء أمنية مشحونة بالتوتر مغاربيا وإفريقيا، بفعل الصراع الدائر بين القوى الغربية على النفوذ فى الساحل، والحرب المفتوحة منذ 45 سنة بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية على منطقة الصحراء الغربية، وبروز دور جزائرى أكبر فى الأمن الأوربى فى مرحلة مابعد الإعتماد على الغاز الروسى، وعودة قوارب الموت إلى مياه الأطلسى بعد فعل الحروب والكوارث التى ضربت القارة السمراء خلال الأشهر الأخيرة ، وبشكل غير مسبوق فى تاريخ المنطقة المحيطة بنا على أقل تقدير ( مالى / النيجر/ بوركينا فاسو).
أوضاع جد معقدة، وملفات مختلفة على طاولة البحث، وقرارات متوقعة من الشارع، وزمام الأمر فى النهاية بيد الرئيس، بحكم محوريته فى النظام السياسى فى البلد، وتراجع دور القوى السياسية التقليدية، بعد عشرية كانت وبالا على الطيف التقليدى المعارض، ولم تنتج نخبة أخرى قادرة على ملإ الفراغ والقيام بالدور المنوط بالنخب السياسية المعارضة، وأغلبية خرجت وهي تعانى من سهام التفتيش والتخوين والملاحقة، مما أربك سير العمل التنفيذى، وأضاع العديد من فرص التنمية، وأهدر الكثير من الوقت فى السجال العقيم، سجال لم يقنع المعارضين، ولم يرض قادة الأغلبية وكبار الداعمين لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى.
واقع يتطلب جملة من القرارات والإجراءات الرامية إلى معالجة الإختلالات الملاحظة، ولعل هذه أبرز النقاط المطروحة الآن من قبل الرأي العام، والمنتظرة من فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى:
واقع يتطلب جملة من القرارات والإجراءات الرامية إلى معالجة الإختلالات الملاحظة، ولعل هذه أبرز النقاط المطروحة الآن من قبل الرأي العام، والمنتظرة من فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى:
1- إعادة تفعيل المنظومة التنفيذية بشكل يلامس نقاط الخلل القائمة والمعلومة، ويمنح الرئيس فرصة لتصحيح الأوضاع المتردية فى أكثر من قطاع خدمى بالبلد ( الطاقة والمياه والتشغيل والثقافة والبيئة، والمالية، والتجهيز والنقل، والوظيفة العمومية) ، ومواصلة العمل القائم فى وزارة التهذيب بالوتيرة السابقة، وإعادة نزع فتيل التوتر من بعض مراكز صنع القرار، واختيار أشخاص بحجم المشاريع المنتظرة والمهل الزمنية المتبقية، وإطلاق ورش كبرى قادرة على تعويض النقص الملاحظ، بفعل التركيز على القضايا الإجتماعية – وهي قضايا مهمة- وإكراهات كوفيد 19، وهي مرحلة صعبة ومتفهمة، ولكن البلد فى النهاية يحتاج إلى مزيد من التنمية والرفع من سقف المنجز فيه، من مشاريع كبرى، تقنع الناس وتمكث فى الأرض.
2- المسارعة فى إكمال عملية تغيير المكتب التنفيذى للحزب الحاكم ، وتفعيل لجانه المركزية، ورسم العلاقة النهائية مع الأحزاب الداعمة لرئيس الجمهورية والشخصيات المستقلة من خارج حزب "الإنصاف" الخاكم، لتكون الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى على قدر العمل المقام به، فقد أنجز الرجل الكثير خلال السنوات الثلاثة الماضية، ولكن ضعف المستوين السياسى والإعلامى، أهدر العديد من الفرص، وشوه الكثير من القرارات، وأتاح لخصوم الرجل بشكل مريح تسفيه ما تم من عمل فى أكثر من ميدان، ومغالطة الشعب رغم الأرقام الناطقة والمشاريع الموجهة للسكان، فى مجالات عديدة كالصحة والمياه والزراعة والبنية التحتية، والمناخ السياسى غير المسبوق بتاريخ البلد.
3- القيام بجولات ميدانية فى مجمل الولايات الداخلية للإطلاع على الأعمال المقام بها، والإستماع إلى الشعب دون وسيط، وفرز النقاط الأكثر أولوية لمعالجتها قبل الانتخابات التشريعية والبلدية.
4- حسم التقطيع الإدارى بشكل نهائى، من أجل إنصاف العديد من مراكز الثقل الإنتخابى، وحسم الدوائر الإنتخابية فى وقت مبكر، وتفعيل الإدارة الإقليمية، عبر تغيير يعلى من قيم الكفاءة والمهنية والفاعلية، ويمنح الوزير المكلف بالداخلية القدرة على تطبيق الرؤي التى حملها إلى القطاع، وتنفيذ أجندته الإصلاحية بشكل متسارع، وإعادة رسم صورة جديدة للداخلية، بحجم محوريتها فى المنظومة التنفيذية، وهو ماعكسته إرادة الرئيس خلال التعديل الوزارى الأخير، باختياره أبرز معاونيه، وأكثرهم كفاءة ، وأبعدهم عن منطق تصفية الحسابات وبناء الذات على حساب قيم الجمهورية، لإدارة الداخلية، وترتيب العملية السياسية بشكل تشاركى مع الطيف السياسى بكل أنواعه، وتفعيل الأجهزة الأمنية، وتحريك الساحة المحلية عبر المتابعة اليومية واتخاذ التدابير اللازمة دون انتظار مزيد من الوقت أو إهدار الفرص المتاحة. .
ويظل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى صاحب القرار الأول والأخير بشأن رأس الجهاز التنفيذى، وصاحب الكلمة الفصل فى مجمل القرارات الأخرى، وإليه يرجع تقدير الأمور وتفعيل الأجهزة السيادية للدولة، ولكن للرأي العام إكراهاته وانتظاراته وملامح المشهد الذى يريده، وهي أمور يجب التعامل معها، والأخذ بالممكن منها، والنظر إلى ما آلت إليه الأمور، فى وقت تتجه فيه البلاد إلى محطة انتخابية فاصلة، رغم مكانة الرئيس وسمعته الطيبة وغياب أي منافس جدى له فى الحياة السياسية، ولكن الشعوب فى النهاية تحتاج دوما إلى مزيد من تجديد الوسائل والآليات، وتتناغم إرادتها فى المحصلة مع من يتخذ القرار السليم فى الوقت المناسب، ويعالج الأمور بالحكمة، ويتصرف دون انتظار بوادر خروج الأمور عن السيطرة ، وقد أبان الرئيس عن قدرته الكبيرة على تشخيص الواقع والتنبيه على الإختلالات وتوجيه معاونيه إلى التعامل معها فى الوقت المناسب، وهو سلوك لم يعهد البعض من رؤساء البلاد، لقد كان فى بعض خرجاته أكثر إحساسا بالألم من أصحاب الألم ذاته، ومعددا لأوجه التقصير أكثر من معارضيه، ولكنه فى الوقت ذاته يدير الأمور بمنطق مختلف وبقدر كثير من احترام الآخر، موظفا كان أو معارضا للنظام، وهو ما لم يستوعيه بعض المضيعين للمهل الممنوحة من الرئيس خلال الأشهر الأخيرة.
(*) مدير موقع زهرة شنقيط