الحلقة 23 من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي

ثلاثاء, 09/06/2022 - 10:43

في الحلقة الثالثة والعشرين من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، للمفكر العربي علي محمد الشرفاء يتحدث المؤلف عن الجهاد في سبيل الله، ويبين أنه وردت ثلاث آيات في القرآن الكريم ذكر فيها الجهاد، ومعناها منصرف إلى غير القتال بالسيف، لأن الله سبحانه لم يأمر المسلمين بقتال الناس حتى يدخلوا دين الإسلام تأكيدا لقوله سبحانه ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾، مؤكدا أنَّ كلمةَ الجهادِ كَمَا وردتْ في القرآن الكريم، جاءتْ حاملةً معناهَا وتفسيرَها، فالجهادُ هو بَذلُ الجُهدِ والطَّاقةِ وتَحمّلُ المشقّةِ في سبيل تحقيقِ أوامرِ اللهِ سُبحانَهُ في مجاهدة النفس وتطويعها لتطبيق مبادئ المنهج الإلهي الذي يرتقي بشخصية الإنسان في عباداته وأخلاقياته والالتزام في ما حرمه الله والتغلب على هوى النفس الأمَّارة بالسوء، وليس الاعتداء على الآمنين، موضحا أن الجهاد ليس دعوة للاعتداء على الناس، بل هو إيصال رسالة الإسلام لخير الناس وما ينفعهم، والسعي الدؤوب بالفكر والكتاب والوعظ، لنشر رسالة المحبة والتعاون والسلام لإعلاء قيمة الأخلاق والقيم النبيلة.

اقرأ أيضا: الكاتب العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب.. لماذا تخلف العرب اقتصاديًا؟

وإليكم نص ما كتبه المؤلف حول هذا الموضوع.

لقد وردت ثلاث آيات في القرآن الكريم ذكر فيها الجهاد ومعناها منصرف الى غير القتال بالسيف أو غيره من وسائل القتال الأخرى لأن الله سبحانه لم يأمر المسلمين بقتال الناس حتى يدخلوا دين الإسلام تأكيدا لقوله سبحانه ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس 99)، والآية الأولى التي تذكر الجهاد في قوله تعالى ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ (الفرقان 52) والتي تعني جاهد الكفار بالحوار والمنطق بآيات القرآن الكريم، والآية الثانية قوله تعالى ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (العنكبوت 6)، إنَّ كلمةَ الجهادِ كَمَا وردتْ في القرآن الكريم، جاءتْ حاملةً معناهَا وتفسيرَها، فالجهادُ هو بَذلُ الجُهدِ والطَّاقةِ وتَحمّلُ المشقّةِ في سبيل تحقيقِ أوامرِ اللهِ سُبحانَهُ في مجاهدة النفس وتطويعها لتطبيق مبادئ المنهج الإلهي الذي يرتقي بشخصية الإنسان في عباداته وأخلاقياته والالتزام في ما حرمه الله والتغلب على هوى النفس الأمَّارة بالسوء، والتي يستدرجها الشيطان إلى طرق الغواية.

هذا الجهادُ يبدأ من اليومِ الأولِ لِوَعْي الإنسان بضروراتِ الحياةِ الكريمةِ، وما تتطلّبُه من أشكالٍ مختلفةٍ في بَذْلِ الجهد المخلص في التمسّك بتكاليف العبادات وتأدية الشعائر الدينيّة وترجمتها إلى سلوك يومي باتباع المنهج الإلهي في السلوك الإسلامي الذي أمرنا الله باتباع القيم النبيلة وممارستها مع الناس جميعًا أولها الرحمة والعدل والإحسان وعدم الاعتداء على حقوق الناس ونشر السلام ليتحقّق الأمنُ والاستقرار، والآية الثالثة قوله تعالى ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾(العنكبوت 69)، وتعني الآية الذين يعملون ما أمرهم به الله من القيام بكافة تكاليف العبادات وأعمال الخير والدعوة في سبيل الله كما يلي :

  1. 1. قالَ تَعَالىَ ﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ رِبّكَ بالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين﴾ (النحل 125)، والآية المذكورة تبين الجهادَ بالدعوةِ والحكمةِ والموعظةِ الحسنة للتعريف برسالة الإسلام التي تدعو للأمن والسلام والتعاون والعدل والرحمة بين الناس، التي يتحقّق بها الاطمئنانُ للنفس وتحيطها السكينةُ لتمنح الإنسانَ شعورًا بالإيمان بقوة الله وقدرته وتقوِّي من عزيمته وتدفعه للعمل الصالح وما يتحقّق به من تأمين رزقه ورعاية أسرته وأمنه في حياته الدنيا ليعيش الحياة هانئًا وسعيدًا، مطمئنًا برحمة الله وبما ييسر له من خير ويكشف عنه من ضرر يعدها لله بقوله سبحانه (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) (يونس 107).
  2. 2. وقَالَ تَعَالى ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾ (المؤمنون 96).
  3. 3. وهنا الجهادُ بالدَّفعِ بالقولِ الحَسَن، حيث يتطلب هذا الأمر مغالبة النفس وكبح جماحها والسيطرة عليها في رد الفعل، وهذا أشد أنواع الجهاد لكي يتجنب مضاعفات الموقف وما سيترتب عليه من إشكاليات يعلمها الله.
  4. 4. وقَالَ تَعَالى ﴿وَلَا تَسَتوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (فصلت 34)، وهذه الآية تستدعي مجاهدة النفس بقوّة الإيمان وتطويعها لتستقبل السيئة بالحسنة، ويتحول لديها ردّ الفعل الغاضب إلى ردّ حليم يحمي الإنسان ممّا يترتّب على عدم السيطرة على النفس من مضاعفات لا تحمد عقباها، وتكون له القدرة لاستيعاب الطاقة السلبية لتتحول بإيمانه بالله إلى طاقة إيجابية تحميه من التشاجر الذي قد يؤدي إلى مشاكل جمة وإلى صراع بينه وبين غريمه.

إنَّ الجهادَ هو تحمّلُ المشاقِ في سبيلِ الدين والصبرُ على أعبائِهِ، ومجاهدةُ النفسِ وكبحُ جِماحِهَا عن السّقوطِ في المعصيةِ، والتحكمُ بالنَّفسِ الأمّارة بالسوءِ في سعي الإنسان في الاعتصام بكتابِ اللهِ وتنفيذِ أوامرِهِ والابتعاد واجتنابِ نواهِيِه، والإقدام على التقرّبِ إلى اللهِ بالعملِ الصالحِ من عباداتٍ وإنفاقٍ وصدقاتٍ وتقديمِ يدِ المساعدةِ للمحتاجِ والفقيرِ وابنِ السَّبيل.

يتضح لنا مما سبق أن الجهاد ليس دعوة للاعتداء على الناس، بل هو إيصال رسالة الإسلام لخير الناس وما ينفعهم والسعي الدؤوب بالفكر والكتاب والوعظ لنشر رسالة المحبة والتعاون والسلام لإعلاء قيمة الأخلاق والقيم النبيلة، محققة صياغة شخصية المسلم التي تتحلى بالأمانة وحب الخير واجتناب الظن السيء والتجسس على الناس والتواضع والتراحم والوفاء بالعهود والعقود والتعاون على البر والتقوى والإصلاح بين الناس ليتحقق في المجتمعات الإنسانية بناء المواطن الصالح الذي ترتقي به الأمم.

فالله سُبحانَهُ مِن رَحمتِهِ يريدُ السلامَ لعبادهِ وأن يَعيشوا مُتحابّينَ ومُتعاونينَ، حيثُ يَقولُ سُبحانَهُ وتَعَالى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة 2).

الجهادُ على تَكاليفِ العِباداتِ:

إنَّ تكاليفَ العباداتِ بالبُعدِ عن المحرّمَاتِ، تحتاجُ إلى مُجَاهدةِ الرَّغباتِ الغَرائِزيّةِ وما تحمِلُه مِنْ نَوازعَ مُختلفةٍ، حيثُ تميلُ النفسُ كثيـرًا للمعصيةِ، والشرِ والخِداعِ والظلمِ والخيانةِ وعدمِ الوفاءِ بالعهودِ واستباحةِ حُقوقِ الناسِ، وقَتْلِ النفسِ التـي حرّم اللهُ إلّا بالحقّ، والغِيبةِ والنّميمةِ ونَشْر الإشاعاتِ ابتغاءَ الفتنةِ، كلُّ تلكَ الصفاتِ المكروهةِ تتحكّم في غريزةِ النفسِ البشريّة، وجهادُها يتطلّبُ عَزيمةَ إيمانا، وصبرا، وقبلَ كلِّ ذلكَ تَقوى اللهِ، حَيثُ إنَّ مواجهةَ النفسِ وكبحَ جماحها، هوَ صراعٌ بين الحقِّ والباطِلِ، يكادُ يكونُ أشدَّ قوةً مِن معاركِ القتالِ، فالإنسان يحاربُ عَدوًا بِداخِلِه يساعدهُ في التغريرِ بهِ شَيطانٌ تَوعّدَ الإنسان أمام اللهِ عند خَلقِ آدمَ عندَما قالَ ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعِينَ﴾ (ص 82).

وأيضا ﴿قالَ فَبِما أغوَيتَني لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِراطَكَ المسُتَقيمَ ثمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرينَ﴾ (الأعَراف 16-17) وهذه الآية تحذر الناس من إغواء الشيطان لهم، وأن يكونوا يقظين حتى لا يقعوا في المحظور فينالوا عقابهم يوم الحساب، وقد حذرنا الله سبحانه من الشيطان بقوله ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾ (فاطر