عادة تشكل السيدات الأول في العالم الثالث عموما، وفي بلادنا بشكل أخص، عائقا كبيرا في ممارسة الرؤساء لمهامهم والاضطلاع بمسؤولياتهم، وذلك من خلال خلق سلطة موازية، تبدأ في الغالب خجولة وغير واضحة المقاصد والغايات، لأنها في الأصل تقوم على أساس من الرغبة في الظهور لدى السيدات الأول وتسجيل حضور خاص مهما كان جزئيا في أذهان صديقاتهن وأهلهن من خارج دائر القصرة.
ثم لا تلبث تلك السلطة أن تتحول إلى حقيقة بعد أن تدخل على خطها جهات أخرى من داخل دائرة النظام، ومن خارجه تجمعها بعض المشتركات، وتوحدها بعض المصالح والمنافع..
فتتخذ من نافذة العاطفة وحريرية ونعومة الأنثى وسيلة للوصول لغاياتها.. وطبعا يكون طريق هذه الجهات سالكا إلى قلب القائد، وذلك لبراعتها في تصوير الأمور وتقريب الأشياء، مع امتلاكها كما أسلفنا لأقرب المفاتيح (سيدة القصر)
ولا تحتاج هذه الجهات إلى استثمارات ضخمة أو تقديم أثمان كبيرة للفوز بعاطفة غانية يغريها ويغرها الثناء..
بيد أننا الآن نعايش فترة مغايرة تماما ونشهد حالة استثنائية بكل المقاييس، فبمتابعة نشاطات وتحركات السيدة الأولى حاليا يتضح أننا أمام سيدة تعمل كرافعة لأركان النظام وتدعم كل خططه وماشريعه وتساير كل سياساته الاجتماعية دون أن يغويها بريق السلطات أو أبهة الموقع ولا بهرجه..ولعل مرد كل ذلك يعود إلى تضافر عوامل عدة كان لها بارز الأثر في تشكيل شخصيتها وتحديد نمط تعاطها مع المسائل الوطنية بنوع من الجد والصدق بعيدا عن كل المغريات..
نعم، إننا أمام سيدة أولى رضعت القيم والمكارم، وأكتسبت المعارف والثقافة، وصهرتها التجارب، حتى كانت بحق سيدة أولى حتى من غير دخول القصر.. إن خدمتها تحت العلم الوطني ومن باب العمل الطوعي واختيارها لمهنة الانسانية شف عن شخصية ذات اهتمامات وأولويات تتجاوز ماهو شكلي ذاتي، إلى ماهو جوهري عام وخادم.
فكانت بالفعل سندا وعونا تعطي ولا تأخذ تخدم ولا تُخدم تضحي ولاتنتظر مقابلا.. أخذت من المصرية الفروعنية صفتها واسمها ومن الالقاب الموريتانية صفة الأب ومن محامد الأسماء وأفضلها جذور شجرتها، فكانت بحق كل ذلك التشكل الرائع والمفيد.