لقد أرسل الله رسوله عليه الصلاة والسلام ليبلغ الناس الخطاب الإلهي ويشرح لهم رسالة الإسلام حيث يقول سبحانه (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة آية (67).حيث حدد الله للرسول مهمته فى إيصال رسالة الإسلام بقوله (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) سورة النحل آية (125) وأمره الله سبحانه بقوله
(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ) الكهف ٢٩آية، مما يعنى بأن الله ترك للإنسان الحرية المطلقة لاختيار العقيدة أو الدين الذي يقتنع به فلا وصاية لإنسان أو سلطان على عقائد البشر، ويؤكد ذلك قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ) سورة الأنعام ١٠٧، وقوله تعالى يخاطب رسوله الأمين (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) سورة يونس ٩٩/١٠٠، وقال تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة البقرة ٢٥٦.
لذلك أن علاقة الإنسان مع الله علاقة مقدسة ترك له حرية الإيمان وتوحيده وحرية الالتزام بآياته دون تدخل من البشر لا نبي ولا والرسول ولا سلطان ولا الوالدين ولا الأوصياء، والله سبحانه سيحاسب الإنسان كل بعمله كقوله تعالى (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) سورة النجم٣١.
فالله اختص وحده بالحكم على عباده يوم الحساب حيث يقول سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) سورة الحج ١٧.
فإذا كان الله سبحانه قد وضح للناس بتلك الآيات أنه لا وصاية لأحد من خلقه على خلقه فى عقائدهم ودياناتهم، ومنحهم الحرية المطلقة لاختيار عقائدهم ولا يمنح رسولا أو سلطنا حق الرقابة
ومحاسبة الناس على دياناتهم، ومن يفعل ذلك فقد ارتكب إثما عظيما سيحاسب عليه يوم القيامة حسابا عسيرا لأنه اعتدى على حق الله فى محاسبة خلقه.
فليحذر كل من تسول له نفسه ان ينصبها رقيبا على عقائد الناس فقد تجرأ على الله وخالف أمره وما أقرته آياته بأن الحكم لله وحده فقد باء بغضب الله وعقابه وأن قضية المرتد إنما تم استغلالها سياسيا للانتقام من الخصوم واستباحوا بظلم القاعدة الإلهية التي أقرها القران الكريم بقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) المائدة ٥٤
إضافة إلى ذلك أن الله لم يقر فى آياته حقا لبشر محاسبة من يرتد عن دينه سواء كان ملحدا أو كافرا او لا يقوم بشعائر العبادات ذلك أمر بينه وبين الله لأنه هو الذي سيحاسب على عمله ولن يشترك معه احد فى المحاسبة يوم القيامة حيث يقول سبحانه (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) المائدة (38).
إضافة لما سبق قوله تعالى يخاطب رسوله الكريم فى سورة الغاشية من الآية 20 حتى الآية رقم 26(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ، إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ، إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ).
ويحدد الله سبحانه تكليفه لرسوله عليك تذكير الناس بالقرآن وآياته وليس عليك مسئولية استجابتهم لك أم الأعراض عن دعوتك لهم، فأنهم سيرجعون إلى الله يوم القيامة فسيحاسبهم على كفرهم ويعذبهم عذابا عظيما لذلك فليس على الرسل والأنبياء إلا البلاغ للناس بما كلفهم به الله سبحانه من رسالاته التي نقلها الأنبياء للناس على مر العصور، وأخيرا تحية وسلام.