يكثر عدد من السياسيين والمدونين القابعين خلف أجهزة الكومبيوتر بالعاصمة نواكشوط، أو خلف الهواتف النقالة فى المنفى الإختيارى الإكثار من سب النظام القائم، والتنكيت عليه، وعلى مناوئيه فى نفس الوقت (المعارضة التقليدية) وتقديم الواقع فى صورة مغلوطة (جهلا بما يجرى وتجاهلا لما ينجز من مشاريع داخل مجمل أرجاء الوطن)، مستفيدين من حالة اللامبالاة داخل أوساط الأغلبية، وهي تتمرس خلف النظام، وتعيش على حسابه،وتسلمه فى الوقت ذاته للمجهول، بل وتتآمر بصمتها وتمهايها فى بعض الأوقات مع مناوئه، رغم فارق التوقيت بينه وبين مجمل الأنظمة السياسية التى حكمت البلاد خلال العقود الأخيرة.
صحيح أن نقطة ضعف النظام القائم هي تحول بعض كتله الوازنة إلى مزيج من نظامين أجهز عليهما الرجل خلال بضعة سنين (نظام العقيد معاوية ولد الطايع (2006) ونظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز (إجراءات نوفمبر 2019)، وهو ماعقد من تسيير المشترك بينه وبين قوى الإصلاح الراغبة فى التغيير أو التعايش معه، وحوله إلى معارض فى نظر بعض منتقديه – وهو كذلك - إذ أستعصى عليه التماهى مع النظام الأول وهو مجرد ضابط داخل الأركان، إلى غاية الإطاحة به فى انقلاب عسكرى كان محل ترحيب كبير من مختلف الأطراف السياسية، ولم يقبل أن يكون نسخة من النظام الآخر، وصاح فى الجماهير عشية إعلان ترشحه فاتح مارس 2019 بأنه نهج آخر فى الحكامة والتسيير، والنظرة للمخالف والتعامل مع الفاعلين واستنطاق دروس التاريخ، والتضحية من أجل الغير.
إن الذين يحاولون تقزيم ما أنجز الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى خلال السنوات الأربع الأخيرة، يتجاهلون اكتتاب آلاف العمال داخل الوظيفة العمومية، وحل المظالم القائمة، وبناء مقار بالغة الجمال ومكتملة التجهيز لصالح 15 مؤسسة دستورية (المجالس الجهوية والمجلس الدستوري والبرلمان)، وتعزيز البنية التحتية ببناء عمارات صالحة لتغيير الصورة المرسومة عن العديد من القطاعات الوزارية، وتمكين العاملين فيها من إنجاز الأعمال فى بيئة ملائمة، وتعزيز القدرات العسكرية والأمنية واستعاب الآلاف من أبناء البلد داخل الجيش وقوى الأمن، وفتح مدارس جديدة للتكوين المهنى، وأخرى لتكوين المعلمين، وبناء ملعب نواذيبو، وهو أكبر منشأة رياضية فى البلاد بعد الهدية الصينية عام 1982 (الملعب الأولمبى)، وبناء أكثر من 2000 فصل دراسى، وبناء مؤسسات تربوية مكتملة بالعاصمة نواكشوط وكبريات المدن (كيهيدي/ سيلبابي/ أطار/ نواذيبو/ لعيون/ النعمة/ كيفه/ لبراكنه/ تكانت) وبناء ملاعب جديدة، وساحات عمومية صالحة للإستخدام وفضاءات آمنة لكل مرتاديها بشكل متوازن، ويحقق رغبة أبناء البلد دون إقصاء أو تمييز، وبناء تجهيز مراكز صحية بمختلف المناطق الداخلية، وتوفير التأمين الصحى لأكثر من 100 ألف أسرة، وتحمل تكاليف كل مرتادي الإنعاش، وتحمل نقل المرضى من الداخل إلى العاصمة نواكشوط فى سيارات الإسعاف، والتكفل بالنساء الحوامل، وإعادة الإعتبار للمنظومة الصحية بالكامل عبر توفير الأدوية وضبط جودة المتوفر منها ومحاربة التزوير وتوريد المستلزمات الطبية خارج الأطر الشرعية المعمول بها.
صحيح أن البعض لايشاهد حجم الإستثمار الهائل فى مجال الذهب، وتطوير الأعمال الجارية فيه واحتضان المنقبين من قبل شركة معادن، وتقديم خدمات جليلة لكل المهتمين بالمجال ( المياه والكهرباء والأمن والصحة والإتصال)، مع تسيير قطاع حيوي وحساس، عائداته كانت بالأمس الملاذ الوحيد – بعد الله عز وجل- لإقتصاد مهتز بفعل الأزمات الدولية (الحروب وكوفيد واهتزاز الثقة بشبكات التوريد العالمية وإرتفاع الأسعار).
إن من ينتقدون الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى أو يتحاملون على منجزاته – وهي كثيرة- يتجاهلون الواقع الأهم، وهو أخلقة الشأن العام، وفرض قيم الإحترام بين المتنافسين، والتعامل بقيم نادرة مع مناوئه ومعاونيه، والوقوف موقف المتفرج من النخب السياسية وهي تصراع من أجل موقع لها داخل الساحة المحلية فى آخر انتخابات بلدية ونيابية وجهوية، والخروج يوم التصويت دون تعصب أو تحامل أو استهداف ليقول للساسة بكل هدوء وتواضع "سمعنا ماقلتم والآن ننتظر رأي الشعب". بعيدا عما ألفه الناس من كل الأنظمة السياسية دون استثناء خلال العقود الماضية.
إن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى يتحرك فى واقع يصعب الفكاك منه، واقع أنتج نخبة سياسية إن أعطيت رضيت، وإن أبعدت سخطت، وتارة تعطى وتسخط، وتحاول الجمع بين ألق المعارضة، وحضور الموالين، وهو أمر يديره الرجل بحكمة، ويتعامل مع شخوصه بقدر كبير من الذكاء، وقد أحال بعضهم إلى الشعب بعد انكشاف سلوكه، وقد أدبه الشعب أحسن تأديب..
سهل أن تقف فى وجه الرئيس وتقول بكل جرأة أنت فاسد، أو أن تخاطب الشعب عبر شاشة هاتف نقال لتطالب بالثورة والخروج على الواقع، أو أن تجمع بضع كلمات من هنا وهنالك لترسم صورة بائسة عن واقع فى الغالب لاتعيشه، ولكن لايمكنك أن تقنع شخصا واحدا بأن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى متورط فى قضية فساد واحدة، وهو ابن المؤسسة العسكرية التى أنتمى لها وهو ملازم، وغادرها وهو فريق برتبة رئيس، وتولى وزارة الدفاع لفترة طويلة، وقبلها قاد الأمن الداخلى، وأدار الأمن العسكرى، ويتولى منذ يونيو 2019 قيادة بلد من العالم الثالث، والأبواب مفتوحة على مصراعيها لكل باحث عن الحقيقة، وتدفق الأخبار من كل الإتجاهات هو السمة الغالب فى عالم اليوم!.
ولايمكنك بحال من الأحوال أن تدفع الناس للخروج فى وجه النظام، وقد عايشته وتعايشت مع منجزاته، بعيدا عن التطفيف والتشويه، وفى النهاية ستجد نفسك وحيدا تلعن النظام والمعارضة والشعب والخارج، لأن لا أحد من هؤلاء صدق روايتك المبتورة لما يجرى أو قبل التماهى مع نظرتك للواقع، أو شاهد الأمور بعيونك التى ألفت نكران ضوء الشمس، وأختارت أن تظل قابعة فى بيئة مظلمة وهي تعتقد أن الضوء من حولها هو مصدر الإزعاج والألم.
(*) كاتب صحفى