يبين الله للناس ما سيقابلهم في حياتهم بأنه خلق الإنسان في الحياة الدنيا ليواجه الصراع الدائم بين الخير والشر وبين الحق والباطل، ومن رحمة الله بالناس أرسل لهم الرسل والأنبياء. ليعلموهم كيف يحققون الانتصار في جهادهم مع النفس الأمارة بالسوء وحليفها الشيطان على قوى الشر وجماعات الباطل.
ولذلك فالله سبحانه حذر الإنسان عند بدء خلقه بأن الشيطان سيكون له عدوًا مبينًا، وعلى الإنسان أن يظل دائمًا مستيقظًا من خداع الشيطان وأتباعه، ويكون حذرًا ليستخدم ما أرشده الله بكتبه وما بلغه الرسل والأنبياء باتباع حكمة الله ومقاصد آياته.
الصراع الدائم بين الخير والشر
ليواجه بها الشيطان وينتصر في معركة الحق ضد الباطل، ويظل في جهاد مع نفسه، إلى أن يأتيه الأجل وهو يصارع مغريات الشيطان ويحارب النفس الأمارة بالسوء كلما أخلص في إيمانه بالله سبحانه واتبع آياته في كل كتبه التي أنزلها الله مع المرسلين، ليحقق الانتصار ويهزم الشيطان.
لقد بيّن الله سبحانه للإنسان قدرة الشيطان على التحايل على الإنسان باستخدامه النفس الأمارة بالسوء وغريزة الشهوات من طمع الدنيا وارتكاب المعاصي والمحرمات، والتسلط على ممتلكات العباد واتخاذ الناس سبيل النفاق والكذب وحتى قتل الأبرياء، وسيلة لتحقيق أطماعهم الدنيوية. يفتح لهم الشيطان الطرق المختلفة ويرشدهم للوسائل المتعددة، ليسوقهم لارتكاب المعاصي من ظلم وبغي وعدوان.
تحذير من الشيطان
ألم ينصح الله الإنسان عند بدء الخليقة ويحذره من الشيطان قبل هبوط آدم وزوجته من الجنة بعدما خالفا أمر الله بعدم الاقتراب من الشجرة! فأزلهما الشيطان وحرضهما على مخالفة أمر الله، حين قال لهما: (إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (الأعراف: 21)، فطردهما الله من الجنة وحذرهما من إغراء الشيطان حين نصحما الله سبحانه بقوله: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ) (طه: 117)
فعاقبهما الله بقوله سبحانه: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) (طه: 124)
الدنيا دار امتحان
لذلك جعل الله الدنيا للإنسان دار امتحان ليعلم الناس أن الطريق الى الجنة ليس مفروشًا بالورود والرياحين، بل بمجاهدة النفس لتنتصر على إغواء الشيطان ليعبد الله الإنسان بإخلاص وتفاني في طاعة، الله ليكون من المؤمنين المتقين كما وصفهم الله سبحانه في قوله: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران: 191)
صفات المؤمنين
كما وصفهم الله سبحانه أيضًا بقوله: (قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (1) ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ (2) وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ (3) وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَـٰعِلُونَ (4) وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَـٰفِظُونَ (4) إِلَّا عَلَىٰۤ أَزۡوَ ٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَیۡرُ مَلُومِینَ (6) فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ (7) وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَ ٰعُونَ (8) وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَ ٰتِهِمۡ یُحَافِظُونَ (9) أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡوَ ٰرِثُونَ ) (المؤمنون: 1-9). ملتزمون بتأدية الفروض بكل الإخلاص وتطبيق مقاصدها والتمسك بكتاب الله وتطبيق شرعته ، واتباع المنهاج الرباني الذي وردت عناصره في آيات الذكر الحكيم.
كيف يتحقق الإيمان؟
ولن يتحقق ذلك الهدف بالسهولة والدعاء والتمنيات؛ علمًا بأن استجابة الدعاء مرهون بطاعة الوهاب، إنما يتحقق بطاعة الله ومجاهدة النفس في الحياة الدنيا والتغلب على نزوات الشيطان وكبح شهوات الانسان والانتصار على النفس في كل لحظاته ولذلك وصف الله الإنسان بقوله سبحانه: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد: 4)، ليظل الإنسان في معركة أبدية بينه وبين الشيطان، يجاهد في سبيل الله وذلك هو المقصود من كلمة الجهاد في القرآن الكريم، كما وصف الله الجهاد بقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69)
فمن اتبع كتاب الله وآياته ففي عصمة الله من الوقوع في مكائد الشيطان يحميه الله بطاعة الله في تنفيذ كل عظاته وتوصياته وتحذيراته للإنسان، وحينما ينجح في الامتحان وينتصر على الشيطان فليبشر بجنات النعيم، أما من اتبع شهواته وهواه وساقه الشيطان إلى مبتغاه فقد خسر الدنيا والآخرة.