فرض الله سبحانه على المسلمين إقامة الصلاة تأكيدًا لأمره سبحانه لرسوله عليه السلام (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت: 45)
إذاً إقامة الصلاة يشترط فيها للقبول عند الله تطبيق الالتزام بالشرط الذي ذكرته الآية في قول الله سبحانه: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، واذا لم يتحقق الشرط ولم يتم الالتزام به تصبح الصلاة مجرد ركعات للصلوات الخمس مرات في كل يوم، وإذا لم تنهيه الصلاة عن الفحشاء والمنكر فكأنما ذهبت صلاة الإنسان هباءاً منثوراً.
ولذلك يريد الله من المسلم عندما يقرر أداء الصلاة في أي وقت حان لأدائها، عليه أن يعد نفسه ويحضر جوارحه ويستشعر عظمة الله في بداية صلاته بأنه واقف بين يدي الله، ليجدد عهده مع الله خمس مرات في كل يوم، أنه يشهد الله على نفسه باتباع كتاب الله وطاعته في كل ما حرمه الله وما نهى عنه، وأن يطبق شريعة الله في تحصين نفسه من ارتكاب كافة المعاصي والذنوب التي حرّمها الله على عباده، وتطبيق المنهاج الرباني في أخلاقياته والمعاملة مع أهله وأقربائه ومع قومه ومع الناس جميعًا بالحسنى والكلمة الطيبة، وعدم الإساءة لأي إنسان بغض النظر عن دينه و مذهبه ولونه وهويته، مؤدياً كافة التزاماته لكل الفروض التي شرعها الله للمسلمين من الإيمان بوحدانية الله سبحانه لا شريك له، والإيمان بكتاب الله وآياته في قرآنه، والتسليم لرسول الله محمد عليه السلام في كل ما بلَّغه عن ربه من آيات القرآن الكريم، وما تلاه على المسلمين من آيات الذكر الحكيم، وما بشر به المؤمنين في الدنيا من تحصينهم من حياة الشقاء ومن الضلال من الشيطان الرجيم وأعوانه، ليعي المسلم إذا اتبع كتاب الله حياة كريمة مطمئنة وعيش كريم، ويبشر المتقين بالفوز بالجنة في الآخرة وحياة النعيم، وينذر الذين كفروا بآيات الله واتبعوا الشيطان الرجيم يقودهم في حياتهم للشقاء والضنك وعيش البائسين، ويسوقهم بجهلهم وكبريائهم إلى نار الجحيم.
فالسلام على من اتبع الخارطة الإلهية للطريق المستقيم، والويل كل الويل للذين استسلموا لأعوان الشياطين وآمنوا بالروايات والافتراءات على الله رب العالمين وهجروا القرآن كلام الله الحكيم، فيقيم الصلاة المسلم في مواعيدها مستعدًا للاعتراف على نفسه أثناء صلاته وهو بين يدي الله العظيم، بما ارتكب من معاصي وآثام قبل صلاته، طالبًا من الله التوبة والمغفرة والصفح ليرجع عبدًا صالحًا من المؤمنين، فلن يعود مرة أخرى للمعصية ولن يكون ظهيرًا للمجرمين لأن الله سبحانه ذكر في الآية الكريمة قوله: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
يؤكد للمسلم الذي يؤدي صلاته بأن الله سبحانه يعلم ما يفعل الإنسان في كل لحظة من حياته ويعلم ما يصنع من تصرفاته؛ ولذلك أشارت الآية الكريمة بالإضافة إلى النهي عن الفحشاء والمنكر بأمر الله سبحانه لعبده المصلي أن يتذكر الله في صلاته بأنه معه في كل مكان لا يستطيع خداع الله أو النفاق معه سبحانه، ولذلك يتطلب من المسلم أن يكون صادقًا في توجهه إلى الله، يجدد لله العهد والقسم بأن يحافظ على ميثاق الله ويطلب رحمته وعونه وليس الصلاة عادة كما اعتادها الإنسان منذ أن كان طفلًا يذهب مع والده للمسجد، لا يدرك معنى الصلاة ومقاصدها لتحصين الإنسان من الوقوع في المعاصي وارتكابه الجرائم وأن الصلاة في موعدها.
يتذكر الإنسان ربه بأنه يقوم بتأدية الصلاة من أجل تجديد القسم مع الله، ليشهد عليه بأنه ملتزم بميثاق الله في كل لحظة من حياته ومستسلمًا لشرعة الله ومنهاجه في كل صلاة، ذلك مما يجعل المسلم في حالة يقظة دائمة من صلاة الفجر حتى يعود مرة أخرى ليؤدي صلاة الفجر في اليوم التالي وهو على يقين بأنه لم يخلّ بشرط العهد بينه وبين الله في خلال الأربع والعشرون ساعة الماضية، ملتزمًا بالعهد في اليوم الذي يليه إلى أن يأتيه قضاء الله وتخرج نفسه المطمئنة إلى ر بها راضية مرضية.
صدق في عهده مع الله من الوقوع في الإثم أو المعصية، وبذلك يكون الإنسان حقق شرط قبول الصلاة عند الله بالنهي عن الفحشاء والمنكر، وذكر الله أكبر في كل الأوقات في السراء والضراء، فأسكنه الله فسيح جناته مع الأنبياء والمتقين.