رغم أن أجواء الانتخابات لم تنقشع بعد ورغم أن بعض متعلقاتها ومترتبانها مازالت مستمرة خصوصا ملف الطعون القضائية فإنه من المناسب تسجيل بعض الخلاصات والملاحظات هنا تعبيرا عن رأي أو تقويما لحال أو فتحا لأفق :
1- لا مراء في أن الأحادية وتغييب الطرف الرئيسي في المعارضة الوطنية طبع التحضير والتهيئة لهذه الانتخابات سواء على مستوى القوانين المنظمة والاجراءات الضابطة وسواء على مستوى تشكيل لجنة الانتخابات ، والواضح أن المسؤولية في هذه الوضعية تقع على عاتق النظام الذي أظهر تمنعا ورفضا لكل مامن شأنه أن يوفر جو التوافق والتفاهم دون أن أتجاهل بعض التردد والتأخر في سلوكنا معشر المعارضين .
2 - كان واضحا أن المعارضة الديمقراطية - رغم الأجواء غير المواتية - ستشارك في هذه الانتخابات لأسباب عديدة شرحتها في خرجات إعلامية بالمناسبة ولكن تأخرها في القرار - على تفاوت طبعا - أثر على مستوى التحضير والاستعداد لانتخابات يبدو الطرف الآخر استعد لها كل أنواع الاستعداد الظاهر والخفي ،المشروع وغير المشروع .
3 - لم تكن تشكلة لجنة الانتخابات والطريقة التي تمت بها محاصصتها مؤشرا جديا ولا مريحا لمن يفكر في انتخابات شفافة ومقبولة ، صحيح أنها ضمت بعض الشخصيات المقبولة ولكن السياق والتركيبة العامة وحدود الصلاحيات والاقتناع بها والاستعداد للوقوف عندها وحمايتها كلها أمور حدت من تأثير هذه الشخصيات ، وكان تعيين رئيسها الثاني الوزير محمد فال ولد بلال مبعث أمل عند كثيرين ولذلك الأمل ما يبرره بالنظر لمستوى الرجل ومكانته ولكن لاحق الأيام ومحدودية هامش اللجنة والذي قبلت به واستقالتها اتجاه الزج بالدولة وعناوينها وهيبتها وقوتها المادية والمعنوية لصالح طرف سياسي هو الاتحاد من أجل الجمهورية وضد المعارضة الديمقراطية ،فضلا عن اختلالات في التنظيم والضبط والسيطرة مما أدى لخروقات وتجاوزات مقدرة ،كل ذلك نغص على وجود تلك الشخصيات وعلى الأمل الذي صاحب تعيين الرئيس ، ولا أستطيع أن أخفي هنا النظرة الإيجابية التي أحس بها تجاه الرئيس محمد فال ولد بلال والأمل الذي لازلت أحتفظ به تجاه رئاسته للجنة .
4 - ليس من المبالغة القول بأن هذه الانتخابات شهدت من الاختلالات كثيرها وأنه تم استغلال مؤسسات بعينها للتدخل في خيارات الناخبين ( الأوامر للعسكريين و الأمنيين و الضغط عليهم ) وابتز مواطنون من خلال الخدمات العامة وعدا بها أوتهديدا بالحرمان منها ووظف رئيس الدولة بعنوانه المشترك وبوسائل ذلك العنوان في حملة صريحة مع الاتحاد وضد خصومه ومنافسيه ، أما الأخطاءوالتجاوزات في عملية الاقتراع غيابا لبعض المستلزمات وتسربا لأوراق الاقتراع الرسمية وطردا ومضايقة لممثلي المعارضة في مكاتب التصويت وشراء للذمم وتصويتا بهويات الآخرين فحدث ولاحرج ، وكان الخلل الأكبر في هذا المجال هو العبث بالمحاضر وتسلل الأيادي إليها تغييرا وتبديلا وكان نموذج ذلك الأبرز هو محضر المكتب 25 في بلدية الميناء .
5 - كانت الانتخابات مع كل ذلك فرصة للتواصل مع الشعب وتعبير قطاعات مهمة من هذا الشعب عن تعلقها بالخطاب المعارض ، ظهر ذلك في نجاح مرشحين عصاميين من خارج الأحزاب المعروفة وفي تقدم المعارضة في نيابيات العاصمة وفي جر الحزب الحاكم إلى الشوط الثاني في نصف بلديات البلاد وفي أهم حواضرها الرئيسية ( نواكشوط ، نواذيبو ، ازويرات ، كيفه ، روصو ، سيلبابي ، بوكي ، باركيول ، ......) وإخراجه من بعضها ( لعيون )
6 - أحسنت المعارضة الديمقراطية بتحالفاتها التي تقدمت بها في بعض الدوائر - مع أنها لم تكن كافية ولا شاملة - وأحسنت بتوافقاتها في الشوط الثاني والتي أبلت فيها مختلف الأطراف بلاء حسنا ، وقد أعطت هذه التحالفات وتلك التوافقات رسالة مهمة للرأي العام ستزيده ثقة في المعارضة ولمناضلي أحزابها ستقنعهم أن التحالف أسلم والتعاون أنفع والتنسيق أمضى .
7 - ليس من تجنب الموضوعية القول إن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية " تواصل " تعرض لحملة مغرضة ولاستهداف مكشوف لا لشيئ إلا لأنه مثل منافسا قويا و في عدد من المواقع والمناطق ومع ذلك لم يقبل الاستدراج إلى غير خطابه ومواقفه وتواصل مع أبناء وطنه وانتزع من بين أنياب التدخل والتحكم والتشهير مكاسب مقدرة ونوعية سواء على المستوى النيابي أو الجهوي أو البلدي والمنصف المدرك لحجم الضغوط والظروف والاكراهات هو من يقدر ذلك .
8 - الآن وقد طويت صفحة الانتخابات أو كادت ( مازالت مرحلة الطعون ) يبدو الجو السياسي بحاجة إلى سرعة التفكير وعمق التقدير خصوصا أننا على أعتاب مرحلة دقيقة وحرجة من التطور السياسي لبلادنا وهو ما يتطلب إصلاحات سريعة لأسباب الاختلالات التي وقعت ويستلزم من القوى الديمقراطية الجادة الدخول في التشاورات المطلوبة والتنسيقات الضرورية لاستعداد أفضل ل 2019 .
محمد جميل ولد منصور