في بحر هذا الاسبوع والاسبوع الماضي جرت احداث اوحت بقراءات ومفاهيم للوحدة الوطنية او اللحمة الاجتماعية اما انتصارا لها واما التشكيك فيها من منظور اجتماعي لكن ضيق وفئوي.
فالوحدة الوطنية في مفهومها الصحيح المفارق للتطرف العرقي والشرائحي او الساكت والملتف علي المظالم الموروثة عن المجتمع التقليدي، باعتبارها صمام امان اللحمة الاجتماعية وضمان رفع التحديات التي تواجه ويمكن ان تواجه الامة هي مطلب مشروع و ضرورة ملحة .
اما الاحداث فهي النظر الغير مسبوق الي نتائج مسابقات وامتحانات نهاية السنة بعين شرائحية. فقد صرح احد المربين الاكفاء والحقوقيين والمدونين في صوتية له عن استيائه من شرحنة نتائج المسابقات وامتحانات نهاية السنة معتبرا ان هذا الامر غير مسبوق ومذكرا بانه في الماضي لم ينظر ابدا الي هذه النتائج علي هذا الصعيد.
فمنذ الاستقلال الوطني تجري مسابقات وامتحانات لم ينظر الي نتائجها علي ان الاول من الناجحين في هذه الشهادة اوتلك او هذه الشعبة اوتلك انه ابن موظف سام اوتاجر اوفلاح او عامل بسيط رغم انه في ذلك الوقت لم تتح بعد لابناء الفيئات المغبونة الفرص التي تتاح لهم اليوم.
ومع ذلك فقد تمكن ابناء تلك الفيئات من تحقيق النجاح والتفوق كغيرهم،فلو لم يكن الامر كذلك لما حققوا علي قلتهم من الترقية ماحققوه بواسطة التفوق في التعليم ولما حازوا علي الوظائف والتعيينات التي خولت لهم الكثير من الامتيازات سواء كانت معنوية اومادية. لكن السياق الذي نحن فيه اليوم يختلف عن الماضي بحيث انتشر التمدرس وزادت اعداد المتعلمين وحملة الشهادات من كل الفيئات مما يتطلب مقاربة جادة للولوج الي التشغيل والتوظيف والتعيينات وتوزيع الثروة من خلال تشجيع خلق طبقة وسطي من بينها ابناء وبنات الطبقة التي مازالت تعاني من مخلفات الماضي.
اما الحدث الثاني الذي يحيل بطريقة اواخري الي الوحدة الوطنية لكن في اتجاه يمكن ان يوصف بانه ضيق هو ما اثير من لغط من ان المسيء اوالمسيئة الي الجناب النبوي المعظم صلي الله عليه وسلم ينتمي بالضرورة بالمعايير التقليدية الي الفيئات الامامية من المجتمع ويتعامل مع التحقيق عنه بشيء من البطء حتي يفلت من العقوبة، ويعني هذا ضمنيا ان الاساءة الي الرسول صلي الله عليه وسلم لابد ان تلصق الي منتم الي فيئات اسفل الهرم الاجتماعي اوالي احدي الاقليات القومية .
ان مثل هذا الطرح القائم علي الاحكام المسبقة وعلي بساطة خلفيته يحمل في طياته من واقع الازدراء والتهميش القابل للاستغلال السلبي ما يشكل مظلوميات اجتماعية تاريخية مرتبطة ببنية المجتمع التقليدي،
ينبغي التعامل معها بروح احقاق الحق وليس بروح تاجيج نار التفرقة واثارة النعرات الشرائحية الهدامة.وخلافا لذلك يمكننا ان نعتبر ان ما ذهب اليه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في خطابي وادان وتشيت ليس هو السبيل الاوحد لترقية الفيئات المهمشة تاريخيا فحسب وانما كذلك اعادة اليها الاعتبار وتثمين الادوار التي لعبتها في الماضي خدمة للمجتمع.
وعليه فانه ينبغي نزع فتيل التطرف وصد انتشاره في اوساط الفيئات التي تعاني من الغبن بواسطة العدالة في توزيع الثروة والمناصب وكل اشكال الامتيازات وهنا لا ندعو لاي شكل من المحاصصة وانما نرمي الي تقويض ورقة التقسيم الشرائحي .
انه بامكننا تفادي الدعايات التي ينشرها الشرائحيون والتي هي
وقود منطق الفرقة والتقسيم شانها في ذلك شان مكافئة المتطرفين والاصغاء الي الناصحين بها الذين يعملون علي تشجيع المد الشرائحي باعتباره ورقتهم الرابحة و يقدمون انفسهم علي انهم اوصياء عليه.
ان المفهوم الذي نتناوله هنا هو مفهوم لايرتبط في الاصل بالوحدة الوطنية وانما بالمشكل او بالمسالة الاجتماعية الرئيسية في مجتمعنا، في حين تتعلق الوحدة الوطنية بالمشكل القومي في ابعاده السياسية والثقافية و الاقتصادية.
واستغرب ان اسمع ساستنا في تناولهم للوحدة الوطنية يعددون المكونات القومية او العرقية البولارية والسوننكية والولفية ويضيفون البظان اوالعرب ولحراطين كما لوكان لحراطين ليسوا ببظان وليسوا بعرب ثقافيا وحضاريا.
وقد استدرجت النخبة والطبقة السياسية الي هذا التقسيم علي اساس مشروع حركة افلام التقسيمي الرامي الي ضم لحراطين اليه طبقا لنص وروح "بيان الزنجي الموريتاني" Le manifeste du nègro Mauritanien الصادر عن عدة منظمات هي التي شكلت حركة افلام سنة 1986 بحيث يعني Negro Mauritanien الموريتاني من اصل زنجي.
وقد ساعد مؤخرا في هذا المسعي لابعاد لحراطين عن هويتهم العربية المتطرفون من هذه الشريحة المتحالفين مع افلام في اطار مشروعه التقسيمي كما لو كان استبدال الهوية العربية للحراطين بهوية اخري هو الطريق الاوحد لتحررهم.
ان مثل هذا التصور السطحي لا يرقي الي القضاء علي مخلفات الرق التي مازالت فيئة عريضة من مواطنينا تعاني منها والتي يتمثل القضاء عليها في اصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية تقف وراءها ارادة سياسية صلبة.
وبنفس الطريقة التي تعتبر قضية مخلفات الرق بالاساس قضية اقتصادية واجتماعية بالطريقة ذاتها لايمكن مواجهة الاصلاحات الكفيلة بالقضاء عليها الا بارادة سياسية جادة .
اما الوحدة الوطنية من المنظور القومي هي الاطار العام الذي ضمنه يجب ان تتوفر الشروط الضرورية للتفاهم والانصهار التام لمكوناتنا الوطنية علي اساس الاعتراف بتنوعنا الثقافي ومايترتب عنه من الحقوق السياسية والمدنية ومن ضمانات لاحداث تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تحصل فيها كل المكونات والشرائح والفيئات علي حقوقها المشروعة في اطار الانتماء الي وطن موحد يرتبط مواطنوه بعري المواطنة المقدسة ويتنافسون في تجسيد مبادئها وقيمها.