لقد بات خطر الأمن المائي يهدد بلادنا. إن بلادنا تعتمد بشكل يكاد يكون مطلقا في تزويد العاصمة وولاية اترارزة و لاحقا مدينة كيفة في الحصول على الماء والكهرباء على نهر السينغال .. وهناك مشاريع كهربائية أخرى لتزويد مدن في الشمال من نفس الخط.
الامر الذي يجعلنا أمام خطر داهم باتت علاماته جلية وحقيقته بادية للعيان ولا تحتاج الى تفكير .
وفي الوقت الذي نتفنن فيه في تغيير الوزراء المكلفين بالمياه والكهرباء والطاقة بشكل عام، في غياب خطط تأمين واستراتيجيات وطنية متكاملة، تشرع دول الجوار وخاصة السينغال بتشييد سدود وحفر قنوات عميقة خارج مجالنا، مضيقة بذلك الخناق على بلادنا رغم أن النهر يتصوب ويتحدر إلى أراضبنا. لكن تلك الدول لا تفتأ تعمق الحفر وتنوع السدود .
ولا شك إن هذا المسعى الاسفزازي سيشجع دولة المنبع، غينيا كوناكري، على التفكير بل والشروع في تشييد سد مانع، على غرار ما فعلت إثيوبيا مع مصر والسودان.. وتبدو الإشارة في هذا واضحة عندما قررت غينيا كوناكري تجميد عضويتها في منظمة استثمار نهر السينغال..وقد تكون غينيا أحست بنوع من التهميش في المنظمة، أو ربما إنصافا لها أنها تريد مصالحها الخاصة حيث هي مثل باقي دول المنطقة تشهد تطورا اقتصاديا ونموا جديدا، ولمواكبة هذا التطور تنشط كل الدول في الاستفادة القصوى من مياه النهر ، منبعا او مصبا..
و لا شك أن الخبراء والمهتمين بالاستراتجيات أكثروا من الكلام حول الأمن المائي في بلادنا و طرقوا ناقوس الخطر.. وفي ظل غياب تفكير عميق ورؤية مستقبلية ستهوي تلك الأصوات في واد سحيق.
الآن أبانت أزمة العطش الحالية في نواكشوط عن أهمية الإنصات إلى تلك الأصوات والانتباه إليها، لتلافي ما فات من الفرص وتدارك الأمر ، قبل أن نندم ، حين لا ينفع الندم..
إن الأزمات والمحن تولد الحاجة الى التفكير والتفلسف( بالمعنى الاستراتيجي لكلمة فلسفة) في إيجاد الحلول ووضع الاستراتيجيات الوطنية..أما آن لنا أن نعتبر ونقارن ونتأمل في ما يقع من حولنا ونتعظ بالغير ونستفيد من التجارب؟،
السؤال الذي ينطرح الآن أمامي وأمام الجميع: ما ذا لو قامت غينيا كوناكري ببناء سد على المنبع مثلما فعلت إثيوبيا في النيل وهددت حياة شعوب عريقة طالما تغنت بالنيل واعتببرته هدية السماء إليها: السودان ومصر ؟؟
قد لا يكون من بين ساستنا اليوم المنشغلين بالقبائل و البطون ، والبادية.. و و والمال، الحلال والحرام ، من يكون فكر في هذا السؤال وطرحه على نفسه..
التفكير في هذا السؤال وتداعياته يتطلب الإعداد له ، في الكادر البشري، في التخطيط، في الموارد..
سيناريو من هذا النوع لا بد فيه من تدابير يعد لها مسبقا، وتنفذ في أسرع وقت و أن تصاحبها سياسة احتواء كبيرة وتوعية وطنية شاملة تستهدف الشباب والمثقفين وقادة الرأي..
ومما يمكن الشروع فيها كما أشار الى ذلك وزير المياه الحالي، كاختبار استراتيجي، بناء محطات تصفية على طول المحيط بين نواذيبو واندياغو، على الأقل ثلاث محطات تصفية لماء البحر ، تضخ مياهها في الأراضي الصحراوية الشاسعة وتستغل في الزراعة.. يمكن أيضا حفر قنوات في روافد كوركول لحفظ واستغلال المياه المتدفقة من حول سد فم لقليته حتى لا تتسرب المياه الزائدة الى النهر..ينبغي أيضا إحصاء جميع الأودية المتدفقة الى النهر وبناء سدود حولها واستعمالها في حالة وجود خطر داهم .. بل ينبغي استغلال النهر الى الحد الأقصى.، فكل الدول المجاورة تعمل لصالحها فلنسر على طريقها بل ونتخطاها.
إننا بحاجة الى سياسة مائية شاملة..لدينا مصادر مائية على كافة التراب الوطني، في اظهر، والبحيرات الجوفية الأخرى، ولدينا أودية كثيرة ومنسوب مائي ينزل بنعمة الله من الأمطار ينبغي استغلاله بالسدود والأحواض والقنوات..
إنما بنقص هو الإرادة والاستراتيجية الجادة والعمل الوطني .. إن أساس التنمية هي المصادر البشرية .. ولا يمكن استغلال المصادر البشرية إلا بالاستثمار فيها واستعمالها وتوظيفها في ما تصلح له..أما الفساد الحقيقي ليس في المال ولكن في سوء استخدام المصادر البشرية او في تجهيلها وتشغيلها في التفاهات من قبل المحاصصة القبلية والعشائرية والطائفية والجهوية..
أخيرا وليس آخرا على الدولة أن تنشئ هيئة وطنية للسياسة المائية، .. وليراعى في تشكيلها معايير موضوعية، وتكلف تلك الهيئة بوصع ومتابعة اسيتراتبجية وطنية وخطة شاملة لتلك السياسة..
د.الحسن ولد أعمر بلول