وحتى لا يستمر توظيف الروايات المزوّرة، وما تتلوه الشياطين من أساطير مدبَّرة من أجل التغرير بالناس وخداعهم ليبتعدوا عن رسالة الإسلام والمنهجِ الإلهي الذي حمله رسول الله عليه الصلاة والسلام ليبلّغه للناس لتحرير عقولهم وتطهير نفوسهم والارتقاء بهم لتكون علاقتهم مع الله مباشرة دون وسيط من بني البشر، ليحميهم من استغلالهم في تحقيق أهداف دنيوية لصالح المدعين بدعاة الإسلام وشيوخِهِ وعلمائه، وحتى لا يُفاجَأَ الناس يوم الحساب ويكتشفوا- بعد فوات الأوان- بأن لا رصيد لهم من الحسنات عند الله يحميهم من العذاب، كما قال سبحانه وتعالى: (فلما نسوا ماذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء حتى اذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتتة فاذا هم مبلسون). (الأنعام: 44).
ومن أجلِ ذلك وحماية لمجتمعاتنا من الإرهاب وقتلِ الأبرياء ووأد الفتن وإيقاف الصراع المستمر منذ أربعة عشر قرنا ووقف نزيف الدم وسرقة ثروات الوطن العربي من خلال مشتريات السلاح التي تستنزف ميزانية الدول العربية.
فبدلًا من أن توظَّفَ المليارات في تنمية المجتمعات العربية تكون نهبًا للصوص، كشركات تصنيع السلاح وسماسرته، يدفعوننا لنتقاتل به، تاركين أعداء العروبة والإسلام يستمتعون بدمائنا تسيل، وثرواتنا تنهب.
فلا سبيل إلى الخروج من المأزق التاريخي والموروث الفكري الذي أسّس المكوّن الثقافي للإرهاب وأدّى كذلك إلى تخلّف العرب، فبدلًا من أن يتبعوا كتاب الله في الارتقاء بالعقل، حيث جعل الله التدبر والتفكر في كتابه فريضةً إلهية، وما يدعو إليه المسلمون في اتباع المنهج الإلهي في البحث العلمي بتعمير الأرض والتمسك بالأخلاق والفضائل والتقيد بتشريعاته التي أنزلها اللهُ على رسوله في كتاب مبين ليضَعَ أمامَهم خارطةَ طريق تكون نبراسًا للناس يحيون فيها حياة طيبة يسودُها الرخاء والعدل والأمن والرحمة والسلام.
لذا فَعَلى القيادات الثقافية والدينية أن تسعى بكل السبل لتسليط الضوءِ على الخطابِ الإلهي واستنباطِ كلِ ما له علاقةُ في تأسيسِ ثقافةٍ دينيةٍ واعية مدركة لمقاصد الخطاب الإلهي للناس وما فيها من خير وصلاح لكي يعود المسلمون إلى القرآن الكريمِ ليصبح مرجعًا وحيدًا للعباداتِ والقيمِ النبيلةِ والفضائلِ لإحياءِ الضميرِ الإنسانيِ لتتكوَّنَ عندَ الإنسان مناعةُ طبيعيةُ من كلِ ما حرّمَهُ اللهُ واتباعِ كلِ ما أمَرَ بِهِ من خُـلقٍ عظيمٍ لتطهير النفس من كل النقائص وتزكيتها بالصدقة والرحمة والإحسان، وهو السبيلُ الوحيدُ للخروجِ من ظلامِ الرواياتِ ليكونَ القرآن للمسلمينَ نورًا وهاديًا ليبدّدَ الظلامَ ويسطعَ نورُهُ في القلوبِ فتنشرح بهِ الصدورَ وتتطهرَ بِهِ القلوبُ وترتقي بِهِ النفوسُ ويتواصلَ الناسُ بالرحمةِ ويختفيَ بِهِ خطابُ الكراهيةِ ليحلَ محلَّه خطابُ المحبةِ والسلامِ من كلِ البشرِ، حينَها ينزّلُ اللهُ عليهم رحمتَهُ وبركاتِهِ، حيثُ وعدَهم اللهُ بقولِهِ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رِبّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ). (محمدَ: 2)
﴿وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. (فُصلت: 33)
وأن يَهدي كلَّ المخلصين لدينهم وقيمه النبيلة والمتجردين من هوى النفوس وإغوائها من المثقفينَ والمفكّرينَ وعلماءِ المسلمينَ إلى ما أمرَ اللهُ بها باتّباعِ قرآنِهِ الكريم، إيمانًا وقولًا وعملًا وتشريعًا.
المصدر :
«المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع»، للباحث والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي.