مرافعة المحامي فضيلي ولد الرايس إبداع في القانون وطرح متميز / تعليق حر

ثلاثاء, 10/24/2023 - 20:36

برزت مرافعة عضو هيئة دفاع الطرف المدني (الدولة)، المحامي فاضيلي ولد الرايس، كواحدة من أهم المرافعات في محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وعدد من معاونيه، المتهمين في الملف المعروف بـ"ملف العشرية".

وجاءت المرافعة المذكورة في 37 صفحة، وقد أبهرت أهل الاختصاص، والمهتمين بالشأن القانوني، شكلا ومضمونا.

وكان لافتا، أن أول ما بدأت به هو دحض الرأي القائل بـ"حصانة رئيس الدولة أثناء ممارسته لسلطاته، استنادا إلى المادة 93 من دستور البلاد" ربما لأن هذه المادة، والآراء، والتفسيرات حولها، ملآت الدنيا، وشغلت الناس وبالتالي كان لابد لأي مرافعة جادة أن تبدأ بها، فتنسفها نسفا.

وهكذا بينت مرافعة ولد الرايس أن دفاع الرئيس السابق تجاهل في "حقيقة جوهرية وهي أن الأفعال المنسوبة للرئيس السابق لا علاقة لها بوظيفته، بل هي أعمال منفصلة تماما عنها، مما يعني أنها غير مشمولة بالحصانة التي يتدثر بها ويختبئ خلفها خوفا من مواجهة حقيقة ما نسب إليه".
وتساءل ولد الرايس: كيف يمكننا -على سبيل المثال- أن نعتبر أن تسخير ممتلكات شركة سنيم لبناء منتجع خاص للرئيس السابق في مقاطعة بنشاب يعتبر ممارسة لصلاحياته الدستورية؟ 
أو أن المتاجرة بالعملات الصعبة والاحتفاظ بها خارج الدورة الاقتصادية للبلد هو كذلك ممارسة للصلاحيات الدستورية للرئيس السابق؟ 
وكيف يمكن القول إن إصدار الأوامر للمدير العام السابق لشركة سنيم بتوظيف صهر الرئيس السابق خارج الضوابط القانونية المرعية هي كذلك ممارسة لصلاحياته الدستورية؟
وأن إلزام خيرية سنيم بشراء الأعلاف الفاسدة هو أيضا من صميم الصلاحيات الدستورية للرئيس السابق؟

بعد المادة 93 نشبت المرافعة أظافرها في مصادر أموال الرئيس السابق، وكان "المتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز -تضيف المرافعة- قد صرح دون خجل ولا وجل، أمام المحكمة، غير مكره وبكل وضوح أن ما تحصل عليه من أموال خارجة عن دخله المشروع وبالتحديد ما استودعه لدى التاجرين سلمان إبراهيم وإبراهيم الملقب بهاي محمد سالم غده كانت، من بين أمور أخرى، من أصل هدايا أهديت إليه دون أن يحدد هوية الجهة السخية المانحة".

فقاد ذلك المرافعة إلى حديث موسع و مفيد عن فتنة المال، والغلول، وذكرت أن من أصناف الغلول، "الهدايا التي تعطى للمسؤولين والرؤساء وكافة الجهات الحكومية لأنهم خانوا في ولايتهم وأمانتهم".

وتطرقت المرافعة إلى خطورة هذا الصنف من الغلول مؤكدة على ضرورة تغليظ العقوبة في حق أصحابه، وذلك حين يقول "أما إذا كان الأمر يتعلق بالرئيس، القائم على حقوق البلاد والعباد أو ممن هو في حكمه، فيكون عندئذ الأمر أخطر وأدهى وأمر ولا مناص من تغليظ المحاسبة في حقه {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} صدق الله العظيم.

المرافعة تعرضت أيضا لمصدر آخر من مصادر ثروة الرئيس السابق، وهو الحملات الانتخابية، وذلك حين قال الرئيس السابق إن من مصادر ثروته ما "تبقى من فائض تمويل حملاته الانتخابية المتوالية طيلة مأموريته العشرية وحملة الرئيس الحالي".
حيث تساءلت المرافعة "هل نسي المتهم الرئيسي أنه سنة 2006 صادق المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، وهو عضو بارز منه ومتنفذ فيه، على الأمر القانوني المتعلق بتمويل الحملات الانتخابية والذي يحدد في مادته الثانية بكل وضوح وحصرية المصادر المشروعة لتمويل الحملات الانتخابية في:
مشاركات أشخاص عاديين أو شخصيات اعتبارية خاضعة للقانون الخاص،
مشاركة المترشح أو أعضاء اللائحة المترشحة،
أموال المترشح الخاصة،
المساعدات المالية الاستثنائية للدولة.
 
وأضافته أنه "وفي جميع الحالات فإن هذه المشاركات يجب أن يتم التصريح بها لدى وزارة الداخلية في أجل شهر من دفعها، وعلى هذا التصريح أن يحدد هويات المانحين وطبيعة وقيمة المشاركات كما لا يجوز أن تتعدي المشاركات سقف عشرة في المائة من المبلغ المحدد بالمرسوم الصادر عن مجلس الوزراء باقتراح من وزيري الداخلية والمالية والقاضي بتحديد السقف المالي المسموح به في الحملات الانتخابية، سعيا وراء الشفافية اللازمة في الموضوع".

بعد أن فرغت المرافعة من التعرض لمصادر ثروة الرئيس السابق، وتوضيح الرأي القانوني فيها، جاء الدور على تهمة "الاثراء غير المشروع" والتي وصفتها المرافعة بأنها "عبارة ملطفة بدل السرقة والاختلاس والرشوة والخيانة والغلول، وهو وجه من أوجه الفساد الإداري والمالي يتحقق بزيادة كبيرة غير مبررة لموجودات وممتلكات الوكيل العام أو أحد أفراد أسرته بشكل لا يتناسب وحجم الدخل والمرتبات التي يتقاضاها عن الوظيفة بالإضافة إلى عجزه عن تبرير أصول هذه الموجودات والممتلكات ومصادرها".

حيث أوضحت المرافعة أن "المشرع الموريتاني قد حمل المتهم في جريمة الإثراء غير المشروع عبء إثبات مشروعية الزيادة المعتبرة في ذمته المالية، خروجا عن القواعد العامة التي كانت تملي على النيابة العامة عبء إثبات عدم مشروعية الأموال التي يمتلكها المتهم.

وهكذا حصرت المرافعة -حسب التحقيق- ممتلكات الرئيس السابق في: 
- امتلاك المتهم الرئيسي وأفراد أسرته الذين لم تكن لهم وظائف ولا نشاطات تجارية لثروة هائلة لا تجد تبريرها في مصادر دخلهم المشروعة،
تمثلت هذه الثروة في أعداد كبيرة من العقارات والشركات والمصانع والحظائر التي تحوي عشرات السيارات من مختلف الأنواع والأحجام، بالإضافة إلى أرصدة بنكية وودائع بالمليارات وقطعان من الماشية وقائمة هذه الممتلكات موجودة في وثائق الملف،
مقارنة ما تم الكشف عنه من ثروات هائلة لدى المتهم وأفراد أسرته المباشرة بما صرح به سنة 2010 في محضر التصريح أمام لجنة الشفافية عند توليه منصبه كرئيس للجمهورية، وبما صرح به في التصريح المماثل عند مغادرته للمنصب سنة 2019 يظهر بجلاء ووضوح أن المتهم أثري ثراء فاحشا غير مشروع خلال توليه للسلطة،
كشف التحقيق القضائي اللاحق على البحث الابتدائي المزيد من الأموال لدى المتهم حيث بلغ عدد المنازل المكتشفة فقط في إطار التحقيق القضائي 17 منزلا، و468 قطعة أرضية، و9 شاحنات، و3 سيارات وجرار وخمسة مليارات أوقية قديمة، وكل هذا دون ما تم كشفه وحجزه في مرحلة البحث الابتدائي.
مجموع راتب المتهم خلال مدة توليه للرئاسة هو 840.000.000 أوقية قديمة، وسبق أن صرح، علنا، في وسائل الإعلام بأنه لم يصرف منه أوقية واحدة وكان يسدد في حساب خاص بزوجته،
شهادة أشخاص معروفين أمام قاض التحقيق أثبتوا أن المتهم كان يسلم الواحد منهم مبالغ كبيرة في وقت واحد كما هو الحال في شهادة كل من بهاي غده وسلمان إبراهيم، حيث سلم الأول ما يزيد على مليوني أورو ومبلغ وصل إلى خمسة مائة مليون أوقية قديمة، كما سلم الثاني مليون دولار دفعة واحدة،
شهادة محمد امصبوع صهر المتهم الرئيسي بأنه سلمه مليوني أورو على وجه السلفة دون فائدة ليستعملها في تمويل مصنع السمك الذي أنشاه في مدينة نواذيبو، كما استلم منه مبلغ 240.000.000 أوقية قديمة ليستخدمها لشراء كميات من الذهب تم تهريبها للخارج من أجل بيعها،
تصريح المتهم في بداية مأموريته أنه لا مال عنده وتصريحه بعد ذلك بأنه يملك ثروات كبيرة. أليست كل هذه المعطيات كافية ومقنعة لإدانته بما نسب إليه؟

وليس ذلك فقط.. بل تعرضت المرافعة لما وصفته بـ "
ولكن قبل الحديث عن هذه المجاري أرى أنه من الضروري أن أشير إلى الروافد الجهنمية والإجرامية التي نتجت عنها هذه الثروة الهائلة.
 
أولا: إن أول رافد إجرامي لهذه الثروة هو تبديد الممتلكات العقارية للدولة،
 
 كان الشيخ الرضا دائنا للسيدة الأولى سابقا بما يناهز سبعة مليارات أوقية قديمة وأصبح عاجزا عن واجباته اتجاه دائنيه الملحين. لهذا السبب دبر وفكر مع رجل الأعمال محيي الدين فوجدا أنه لا بد من التدخل المباشر من طرف المتهم الرئيسي بعد إقناعه بضرورة بناء مطار جديد تتولي شركة النجاح، دون علنية مسبقة أو منافسة مستحقة، بناءه مقابل تنازل الدولة عن أراضي المطار القديم وجزء كبير من أراضي تفرغ زين، وناهز إجمالي هذه المساحات أربعة مائة وواحد وخمسين هكتارا من أراضي الدولة وفي تجاوز سافر لترتيبات قانون الصفقات العمومية خسرت الدولة ، وإلى الأبد ، بالإضافة إلى بناء مسجد نواكشوط الكبير ومبنى من تسعة طوابق وساحة عمومية كانت من ضمن التزامات شركة النجاح.
 
 
خلت أيضا هذه الاتفاقية من أي جدول زمني لتنفيذ المشروع ومن أي تقويم موضوعي لثمن وقيمة هذه الأراضي، ومن أي عقوبة في حالة عدم التزام شركة النجاح بالقيام بواجباتها التعاقدية.
 
ولعل الأدهى والأمر من كل ذلك إقحام شركة اسنيم كطرف ثالث في الاتفاقية بدون ملحق بعد التعثر في تنفيذ المشروع استمر ثلاث سنوات وإلزامها بتسديد خمسة عشر مليار أوقية قديمة كسلفة لشركة النجاح تستعين بها في تنفيذ التزاماتها، وكأن شركة اسنيم أصبحت مصرفا تجاريا أو وكالة عقارية. ولم يكن ذلك ليحصل لولا التدخل الصارم والمباشر للمتهم الرئيسي وخوف القائمين على شركة اسنيم على مصالحهم الشخصية. ومن المعلوم أن السلطات المختصة، آنذاك، لم تقم بأي إعادة تصنيف لهذه الأراضي مما يؤكد التجاوزات القانونية والاستعجال غير المبرر في هذه القضية. والحقيقة أن البحث القضائي لم يتناول بما فيه الكفاية العديد من جوانب الموضوع مما يجعلني أتساءل اليوم عن الدوافع الشخصية للمتهم بهذا الخصوص:
هل انبني الأمر مثلا على عمولة محققة أو محتملة؟
ما سر امتياز شركة النجاح دون غيرها من أهل المقاولة والتشييد العمراني؟
 
حقا، هذا النوع من الجرائم لا يرتكب إلا في الظلام وتحت السرية المانعة ويصعب تعقبه والحمد لله الذي وفق المشرع لينتبه إلى أن قرينة الإدانة أحق أن تتبع في الموضوع بدل قرينة البراءة.
 
بدا جليا للمتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز، سنة 2011 أن مدينة نواكشوط قد اتسعت كثيرا لتأخذ المراكز التجارية والمرافق العمومية مواقعها مع صيرورة الزمن، وليس من الممكن إعادة التاريخ إلى الوراء، ولم يبق من المتاح من الأراضي القابلة للاستثمار إلا ما يوجد في الأطراف النائية من المدينة، مما لا ينفع الملهوف ولا يغني من جوع الشره {وخلق الإنسان هلوعا}.
 
 
وأمام الأمر الواقع، قرر هدم ما يسمى "بالبلوكات الحمر" وبيعها بغض النظر عما تشكله هذه البنايات بالنسبة للكثير من الموريتانيين من رمزية تاريخية وعمرانية.
 
 
وتم هدم هذه المباني في خرق للمادة الثالثة من القانون الصادر سنة 2008 المتعلق بالعمران، كما أن سلطة تنظيم الصفقات العمومية لم تجز إلى حد الساعة التصرف فيها ولا نقل ملكيتها، كما تنص على ذلك المادة الخامسة من المرسوم المنظم لها، وبأمر من المتهم تم تشكيل لجنة لبيع هذه المباني بالمزاد العلني كما شهد بذلك الوزير الأول السابق مولاي محمد لقظف أمام اللجنة البرلمانية، وسواء تعلق الأمر بالطريقة الملتوية لعمليات البيع أو بتحديد الأسعار المقترحة، فإن عموم هذه القضية تم بتحضير مقاولين مقربين من المتهم الرئيسي وهم دون غيرهم من استفاد من هذه الأراضي الثمينة بحكم موقعها على شارع جمال عبد الناصر، كما أحب أن أسميه.
 
ومن أجل التمويه أقحمت شركة اسنيم مرة أخرى بأمر من المتهم لتشارك في هذا المزاد الخارج جملة وتفصيلا عن الترتيبات القانونية المعمول بها.
 
وقد استفاد من هذا البيع الصوري بعض التجار المقربين من المتهم الرئيسي، وشكل بيع ''البلوكات'' سابقة من أجل جس النبض والتحضير للهجوم على ما هو أغلا وأنفس.
 
يقع الملعب الأولمبي في قلب مدينة نواكشوط وهو بطبيعته يثير لعاب أي تاجر لا حياء له ولا ينظر إلا بعيون الربح، لكن الوصول إليه أمر مستحيل عقلا ومنطقا من جميع النواحي سواء كانت أخلاقية أو قانونية أو اجتماعية، فتغيير تصنيفه لا يجرؤ عليه إلا أولو العزم من الملوك الأباطرة أو الرؤساء الذين لا يتقيدون بأي مبدأ.
 
 
وحسب شهادة المدير العام لأملاك الدولة العقارية فإن المتهم الرئيسي هو دون غيره من أشرف على تقسيم القطع الأرضية وإفرازها للبيع، وقد احتفظ لنفسه، حتى تكون قسمة أسد، بالقطعة رقم واحد واثنين مع الزيادة المعتبرة في مساحة هاتين القطعتين بالمقارنة مع باقي القطع الأرضية الأخرى.
 
 
وقد آلت فيما بعد هذه القطع للمتهم الرئيسي بعد أن انبرى المتهم محمد لمين بوبات ليقوم بدوره بالتمويه والتستر والتزوير.
 
كان المدير العام للأمن الوطني، أحمد بن بكرن غارقا في واجباته الإدارية فإذا بالهاتف الثلاثي يرن وكان في الطرف الآخر المتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز، وقتها رئيسا للجمهورية ليبلغه أنه قد قرر بيع الجزء المقابل لشارع المغفور له بإذن الله المختار ولد داداه وعليه أن يستقبل أفرادا من إدارة أملاك الدولة مصحوبين بأبرز مشتر لمعظم القطع التي يبلغ إجماليها خمسة عشر قطعة.
 
 
وتبين فيما بعد أن المتهم محمد لمين بوبات هو من اشترى بالمزاد العلني الصوري القطع الخمسة المتواصلة بعضها بالبعض بما يزيد على ثلاثين مليون أوقية قديمة للواحدة. كما أعترف نفسه على نفسه بأنه تنازل لاحقا لصالح المغفور له أحمدو ولد عبد العزيز عن هذه القطع بثمن مليون أوقية قديمة للقطعة الواحدة بعدما أسس فيها عمارات ضخمة مما يؤكد جليا أن ما قام به محمد لمين بوبات ليس إلا تمويها يهدف الى إخفاء عائدات جرمية وتستر على الثراء غير المشروع.
 
 
وبالنظر إلى جوانب هذه القضية يتضح أن البيع بالمزاد العلني إنما أريد به أصلا تملك المتهم وأفراد أسرته لهذه الأراضي وكفى بذلك دليلا دامغا آخر على سوء استعمال السلطة والنفوذ.
 
 
وفي سياق متصل ألزم المتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز، وزيره الأول السابق يحي ولد حدمين بالقيام بزيارة ميدانية للمدارس الابتدائية التالية:
-    المدرسة المقابلة لفندق اطفيلة الواقعة على شارع ديجول
-    المدرسة قرب سوق العاصمة               
-    المدرسة رقم: 7                         
-    المدرسة المسماة بمدرسة العدالة.
 
وبعد هذه المعاينة أمره أيضا بأن يمرر قراره إلى وزيري التعليم والمالية ببيع هذه المدارس بالمزاد العلني.
 
وتطبيقا للتعليمات الرئاسية وجه وزير التعليم رسالة إلى وزير المالية تتضمن إزالة هذه المدارس من الخريطة المدرسية لتتولى مصالح وزارة المالية إجراءات البيع.
 
تمت عملية البيع على أربع مراحل لتؤول ملكية هذه المدارس في النهاية إلى تسعة أفراد من المقربين من المتهم الرئيسي شاركوا في المزاد العلني الصثانيا: إن ثاني رافد اجرامي لهذه الثروة الهائلة هو الصفقات العمومية الملتوية:
كما يقول أحد الخبراء في مجال الطاقة، فإن المليارات الكثيرة التي صرفت من أجل حل مشاكل الطاقة في البلد خلال عشرية حكم المتهم الرئيسي، كانت كمن يشتري مائة سيارة من أجل توصيل ابنه الوحيد إلى المدرسة!، ورغم دقة هذا التوصيف، فإنه لا يكفي حسب رأيي للتعبير بشكل دقيق عن حجم الفساد والنهب الذي تعرضت له موارد الدولة بذريعة حلحلة مشاكل الطاقة في البلاد، وما الوضعية الصعبة الحالية التي تتخبط فيها شركة صوملك إلا دليلا آخر على ذلك. فقد واظب المتهم الرئيسي منذ استلامه للسلطة على منح الامتيازات غير المستحقة في مجال الطاقة للمقربين منه على حساب المصلحة العامة للبلد مما شكل رافدا آخر مهما من روافد ثروته المهولة المعلومة، والمجهولة، فقد أثبتت وثائق الملف وشهادة الشهود بشكل قاطع أن المتهم الرئيسي تدخل بصفة مباشرة من أجل منح صفقة خط الجهد العالي بين نواكشوط ونواذيبو، للشركة الهندية ''كالباتارو'' بعد أن دخل في مفاوضات مباشرة مع ممثليها في القصر الرئاسي بواسطة صهره المتهم محمد ولد امصبوع،
 
كما ثبت من خلال الملف أيضا أنه تدخل بصفة شخصية لدى شركة صوملك ووزارة النفط للتواصل مع شركة جوي صولار الصينية سنة 2013، وسنة 2016، بعد أن استقدمها قبل ذلك للسوق الموريتانية بشكل سري لإنارة القصر الرئاسي.
 
وبالفعل فقد تم منحها أهم صفقات الإنارة بالطاقة الشمسية في البلاد رغم عدم مطابقة منتجاتها للمعايير الفنية الضرورية، وما ذاك إلا محاباة لصهره ، بعد وفاة ابنه المرحوم أحمدو، من أجل كسب مزيد من المال على حساب شركة الكهرباء التي أرغم المسيرون فيها في أكثر من مرة على الخضوع لرغبات هذه الشركة المجهرية الصينية، سواء فيما يتعلق بمنحها مبالغ مالية بشكل مسبق مخالف لكل الإجراءات المعروفة حتى ولو اقتضى الأمر تدخل مجلس الوزراء بأوامر مباشرة من المتهم الرئيسي لتغيير المرسوم المنظم للصفقات العمومية تذليلا لجميع الصعاب أمام هذه الشركة من أجل استنزاف موارد شركة صوملك، أو فيما يتعلق بالتلاعب بالإجراءات المصرفية من أجل إلغاء عمليات التحويل المصرفي لحساب هذه الشركة الصينية، وتحويل المبالغ المالية، بدلا من ذلك لحساب شخصي لمواطن صيني آخر بناء على تعليمات مسيري شركة صوملك ساعتها، مما يؤكد مرة أخرى انغماس المتهم الرئيسي في وحل الفساد بجميع صوره وأشكاله من استغلال للوظيفة ومنح امتيازات غير مستحقة وتبييض للأموال..وري هذا.
 
 
وكما هو الحال بالنسبة للملعب الأولمبي فإن هذه المدارس من اختصاص البلديات ولا يجوز التصرف فيها الا بأمر من المجالس البلدية المختصة وبعد إعادة تصنيفها.

وفي النهاية يمكن القول أن المرافعة أبدعت في تجلية تهافت ما يتدثر به ويختبئ خلفه الرئيس السابق، من مواد قانونية (المادة 93) وتصريحات (تصريحاته حول ثروته ومصادرها)، وبينت بما لا يدع مجالا للشك قانونية وصحة تعهد المحكمة الموقرة بهذا الملف، بعد إحالته إليها من طرف ديوان التحقيق وتأكيد تلك الإحالة من طرف غرفة الاتهام والمحكمة العليا، تاركة المجال لحكم المحكمة الموقرة في القضية التي تتربط بها حقوقا جليلة، وعظيمة، لا تتوقف على شخص بعينه بل عامة مواطني هذا البلد.

نوح محمد محمود