مع قرب انتهاء الشهر الأول من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أطل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لأول مرة -اليوم الجمعة- في خطاب انتظره كثيرون حول العالم، باعتباره سيكشف أحد مسارات الحرب وجبهاتها الموازية.
وفي قراءة أولية لخطاب استغرق أكثر من ساعة، بدا أن نصر الله يرسم حدود دور حزبه بالحرب، انطلاقاً من هدفين رئيسين هما: وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعدم السماح لإسرائيل بالقضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية تحت أي ظرف، مقابل تحريك المعركة على الجبهة اللبنانية، استنادا إلى محددين: تطورات الحرب في قطاع غزة، وسلوك قوات الاحتلال تجاه لبنان.
حسن نصر الله: من يريد منع حرب إقليمية يجب أن يسارع لوقف العدوان على غزة (الجزيرة)
أبرز ما تضمنه الخطاب
ولعل خطاب أمين حزب الله الذي اتسم بغموض الاحتمالات المفتوحة، وكان مشحونا برسائل أساسية أطلقها من أبرزها:
التأكيد على فلسطينية قرار عملية "طوفان الأقصى" وسرية العملية التي نُفذت دون علم سائر أقطاب ما يسمونه "محور المقاومة" وأن قرارات مختلف فصائل المقاومة، يأتي من قياداتها، وليس من طهران، رغم دعمها الكامل لهم.
التأكيد على انخراط حزب الله في الحرب، وتعداد أبرز الأهداف التي حققتها الجبهة اللبنانية، بإشغال واستنزاف جيش الاحتلال، حيث قال إن ثلث جيش الاحتلال في الجبهة الشمالية، وتم إشغال نصف القدرات البحرية وربع القوات الجوية ونحو نصف الأنظمة المضادة بالقبة الحديدية وإخلاء نحو 43 مستوطنة قريبة من لبنان.
مخاطبة واشنطن بوصفها المسؤولة المباشرة عن العدوان الإسرائيلي على غزة، وأن مصير الحرب واحتمال تمددها لجبهات أخرى رهن سلوك الإدارة الأمريكية بهذا الاتجاه.
القول إن ما يجري بالجبهة اللبنانية لن يتم الاكتفاء به، ثم تلاه إعلان الجاهزية والعدّة لمواجهة الأساطيل الأميركية، والتمليح بأن تصعيد إسرائيل مع حزب الله سيؤدي لحرب إقليمية، إذ قال لواشنطن "من يريد منع حرب إقليمية يجب أن يسارع لوقف العدوان على غزة".
تثبيت الدور المحوري للمقاومة في العراق، وقوات من يسمون أنفسهم "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن، وما يشكلانه من تهديد للمصالح الأمريكية بالمنطقة وقواعدها العسكرية التي تحولت لأحد أهداف ما تسمى "المواجهة والتصدي" بينما كان لافتاً عدم الاتيان على ذكر دور الجبهة السورية.
مناشدة الدول والأنظمة العربية بالضغط لوقف العدوان الإسرائيلي، عبر الدعوة لاستخدام أوراق قوتها الاقتصادية والمصالح التي تربطها بواشنطن وإسرائيل من غاز ونفط ومختلف الامدادات.
التلويح بأن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وبموازاة المعارك العسكرية بين حزب الله وقوات الاحتلال، ستبقى مفتوحة لعمليات التسلل نحو العمق الإسرائيلي.
وكان نصر الله واضحا بالتأكيد على أن مصير المنطقة ما قبل عملية "طوفان الأقصى" ليس كما بعدها، انطلاقا من عودة القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، وأن العملية اكتسبت مشروعيتها من 4 عناوين ذكرها: ملف آلاف الأسرى في السجون الإسرائيلية، ملف التمادي غير المسبوق لإسرائيل بالاعتداء على المقدسات والمسجد الأقصى، مخاطر تهديد الضفة الغربية بتوسيع عمليات الاستيطان، الحصار الظالم على مليوني إنسان في قطاع غزة.
سيناريوهات ما بعد الخطاب
وبينما يرى البعض أن خطاب نصر الله لم يرقَ لمستوى التصعيد المتوقع لإسناد المقاومة الفلسطينية، يعتبر الباحث والمحلل السياسي توفيق شومان بأن أهمية الخطاب تكمن بانطلاقه من عدم علمه المسبق بعملية "طوفان الأقصى" ردا على من يتهمون فصائل المقاومة بأنها ذراع إيرانية بالمنطقة.
وقال للجزيرة نت إن نصر الله حاول التركيز على أن الأهداف تسجل بالنقاط في الوقت الحالي وليس بالضربة القاضية، رداً على من يسأل "متى سيدخل حزب الله الحرب".
واعتبر شومان أن نصر الله أبلغ رسائل تهديدية واضحة لواشنطن ومن خلفها إسرائيل، حول قوة ترسانته العسكرية الجاهزة لحرب إقليمية، والأهم "ذكره لمعادلة أن المدني سيكون مقابل المدني بالرجوع لحرب 1986" إذا ما قررت إسرائيل ضرب المدنيين في لبنان.
وبرأيه، فإن وتيرة المعركة بين حزب الله وقوات الاحتلال ما زالت ثابتة عند ما انتهت إليه، وأن تصاعدها بالانزلاق نحو حرب على لبنان "سيؤدي لحرب شاملة بالمنطقة تستهدف المصالح الأميركية أولا".
ويفيد المتحدث بأن مصير الجبهة اللبنانية مرتبط بمصير الحرب على غزة، وأن السباق حالياً بين احتمال الهدنات المؤقتة وبين استمرار وتوسع الحرب لجبهات أخرى بينما "نقل نصر الله القرار من تل أبيب إلى واشنطن، كفتح لباب التفاوض وإعادة الحسابات".
محددات الخطاب وأهدافه
تقول المحللة والصحفية في جريدة الأخبار اللبنانية (الموالية لحزب الله) ميسم رزق بأن نصر الله حدد الخطوط العريضة للعدوان الصهيوني على غزة، على قاعدة أن "إسرائيل هي من شنت الحرب وحددت أهدافها، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة وحكم حماس للقطاع، حتى بلغ الأمر إجراء اتصالات مع الأميركيين لبحث خطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن".
وتقول الصحفية للجزيرة نت إن خطاب أمين عام حزب الله تأكيدٌ على مواجهة هذه الخطوط، والضغط لأجل وقف العدوان و"التشديد على أن إيغال العدو بدماء الفلسطينيين وقصف منازل المواطنين والمنشآت الخدمية ليخرج بصورة المنُتصر، ستسقط قواعد الاشتباك المعمول بها على الجبهات الأخرى، وستضع المنطقة أمام واقع مفتوح على كل الاحتمالات".
أما إعلان نصر لله هدفي وقف العدوان على غزة وعدم السماح بالقضاء على حماس، فيعبّر وفق المحللة عن سجية حركات المقاومة بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية، ويعد انتصاراً بحد ذاته، "كما أن بقاءها على رأس القطاع وعدم تحرير الأسرى إلا بشروط هو انتصار أيضا".
أما المحددان اللذان أعلنهما نصر لله، بحسب الصحفية، فهما:
محدد هجومي، مرتبط بمسار الحرب، حين أشار إلى أن المقاومة بلبنان وحركات المقاومة بالمنطقة ستبادر لعمليات أكبر وأوسع وأشمل قد تفتح كل الجبهات، ربطاً بسياق الأحداث السياسية والعسكرية والتداعيات الناتجة عنها.
محدد ردعي، مرتبط بالساحة اللبنانية و"ضبط الجنون الإسرائيلي بحال فكر بالاعتداء على لبنان، حيث حذر نصر الله من أي حسابات خاطئة للعدو، وبمعادلة المدني مقابل المدني".
غير أن جوهر الخطاب -برأي الصحفية في جريدة الأخبار الموالية للحزب- هو توجه نصر الله لواشنطن، باعتبارها تقود الحرب وتحشد الدعم اللوجستي والعسكري والدولي لإسرائيل، وبيدها وقفها، بعدما تلقت إسرائيل صفعة "طوفان الأقصى" وفقدت زمام المبادرة والسيطرة، وترى أن نصر الله أطلق تهديداً لواشنطن يعد الأول من نوعه بقوله "أعددنا العدة لهذه الأساطيل الأميركية التي جاءت لتهديدنا وردعنا".
وتختم الصحفية بالقول إن الجبهة اللبنانية تواصل لعب دورها كجبهة مساعدة ومساندة لغزة، وتعود للنقاشات الدائرة في إسرائيل وواشنطن وعواصم القرار حول سيناريوهات الحرب، إذ "ثمة توجه نحو التراجع والذهاب لهدنة إنسانية، وحراك جدي وأكبر بملف الأسرى، وكله رهن أداء وصمود المقاومة بغزة، والحراك السياسي والشعبي بالمنطقة، وعمليات حركات المقاومة بلبنان والساحات الأخرى" حيث إن هذه العوامل مجتمعة "ستؤثر بسياق المعركة واحتمالاتها، أمام مشهد لم تكتب خاتمته بعد".
المصدر : الجزيرة