بدأت أمس السبت 13 أكتوبر 2018 مراسيم الانطلاق الفعلي للتجربة الأولى من المجالس الجهوية تنصيبا لرؤساء المجالس المنتخبين انتخابا مباشرا و اختيارا لنواب رؤساء المجالس المنتخبين انتخابا غير مباشر من طرف جمعية المستشارين الجهويين (سبقت هذه التجربة منذ خمسين حولا خلت أواسط الستينات “تجربة جهوية هجينة”).
و حرصا على تأمين انطلاقة سليمة للتجربة الجهاتية المعول عليها كثيرا فى تحقيق التنمية المتسارعة و العادلة بالولايات و المتوقع منها تأمين مزيد التمرين و التدريب على الممارسة الديمقراطية فإنه يتعين على جميع شركاء “الهم الجهوي” -منتخبين و سلطات وصاية و شركاء فنيين -توخى الحذر و اجتناب أخطاء التأسيس التى غالبا ما تزحف تجارب المجموعات المحلية و ما التجربة البلدية ببلادنا عنا ببعيد؛ ومن أبرز أخطاء التأسيس التى يلزم تفاديها:
أولا- تمييع المكانة البروتوكولية لرئيس المجلس الجهوي: و المقصود بالتمييع هنا عدم إعطاء رئيس المجلس الجهوي المكانة البروتوكولية المساوية لرمزيته الكبيرة كمنتخب من طرف جميع سكان الولاية انتخابا مباشرا (و الانتخاب المباشر فى الأعراف الديمقراطية شأن عظيم).
ولضمان تفادى التمييع و “التأويل المزاجي” للمكانة البروتوكولية اللائقة برئيس المجلس الجهوي يتعين إصدار مرسوم خاص يحدد الامتيازات المادية و العينية و البروتوكولية لرئيس المجلس خلال الأسابيع القليلة المقبلة استئناسا بما هو معمول به لدى الدول التى يتم بها انتخاب المجالس الجهوية و رئيسها انتخابا مباشرا.
ومهما يكن فإن الامتيازات المادية و العينية و البروتوكولية لرئيس المجلس يندب -ندبا على وجه الوجوب-أن تكون أرفع من الامتيازات الممنوحة لأي منتخب من سكان الولاية و أعلى من التحفيزات الموجهة لأي موظف مدني أو عسكري عامل بالولاية.
ثانيا- هامشية المبانى المخصصة لمقرات المجالس الجهوية: لا تتوفر المجالس الجهوية -عدا المجلس الجهوي لنواكشوط-على مقرات؛ و من أوكد أخطاء التأسيس التى يجب تفاديها قبول المجالس الجهوية بمقرات -مملوكة للدولة أو مؤجرة- هامشية الموقع أو ثانوية السمت.
وأحسب أنه على المجالس الجهوية و سلطات الوصاية بذل أقصى الجهد لمنح المجالس الجهوية أكثر المبانى الإدارية العمومية الموجودة بعواصم الولايات فخامة و أحسنها تجهيزا فإن تعذر ذلك وجب التأكيد على إيجار أكبر مبنى خصوصي مخصص للإيجار بعاصمة الولاية و تجهيزه و الإسراع فى تشييد مقر دائم يناسب المكانة المعنوية للمرفق الجهوي؛
ثالثا- نقص كفاءة الأمناء العامين للمجالس الجهوية:
بما أن المرافق الجهوية مرافق قيد التأسيس فهي بحاجة إلى المساعدة الفنية و الإدارية و ينص القانون المنظم للمجالس الجهوية على إمداد الدولة المجالس بأمين عام من ضمن موظفى الوزارة المكلفة باللامركزية.
وخوفى من نقص كفاءة الأمناء العامين -مبرر قياسا على التجربة البلدية- من أن توجه الدولة إلى المجالس الجهوية أمناء عامين غير مؤكدى الكفاءة همهم الوحيد الحصول على علاوة مالية و عينية من المجلس الجهوي.
واقتراحى لتفادى نقص كفاءة الأمناء العامين للمجالس الجهوية و ضمان إسهامهم فى تحسين وترفيع أداء المجلس الجهوي هو أن يتم اتخاذ قرار وزاري يحدد مواصفات الأمين العام للمجلس الجهوي التى يجب أن يكون سقفها الأدنى انتساب الأمين العام لسلك إداريى وزارة الداخلية أو وزارة المالية بالإضافة إلى أقدمية مهنية لا تقل عن عشر سنوات و كذا الانتقال إلى المجلس الجهوي مع المحافظة على الامتيازات المالية الممنوحة لمكلف بمهمة بوزارة الداخلية أو وزارة المالية و التى يتحدث على نطاق واسع عن أنها لم تعد تنقص كثيرا عن مثيل رواتب القضاة و ضعف رواتب أساتذة الجامعة .
رابعا- الإقامة غير الدائمة لرؤساء المجالس بمقار المجالس: من الأخطاء المتواترة لدى المنتخبين الموريتانيين عموما أنهم فى الغالب الأعم يغادرون دوائرتهم الانتخابية أياما معدودات بعد الانتخاب و لا يزورونها إلا لماما يستوى فى ذلك المنتخبون المحليون (العمد) و المنتخبون المشرعون (النواب) و هو ما أثر فى الغالب سلبا على أدائية المرفق البلدى كما مثل بالتواتر خصما من رصيد الثقة بين المواطنين و النواب.
واجتنابا لخطإ الإقامة غير الدائمة للمنتخبين بدوائرهم الانتخابية و تمتينا لأواصر الثقة بين السكان و المرفق الجهوي الناشئ فإن رؤساء المجالس الجهوية مطالبون بالإقامة الدائمة بعواصم الولايات إقامة سقف الأدنى وجود “بيت و سكن عامر معمور” و التواجد بعواصم الولايات فترة لا تقل عن 66%من أيام الدوام الرسمي؛
خامسا- “التجاذب العقيم” بين المجلس و سلطات الوصاية: يعتقد بعض المختصين فى مجالي اللامركزية و التنمية المحلية أن القانون الموريتاني المنشئ للمجالس الجهوية أسس على مبدأين يحملان بعض التعارض و التنافر أولهما كثير من المشروعية متمثلا فى الانتخاب المباشر للمجلس الجهوي (و لن أمل من تكرار التنبيه إلى أن الاقتراع المباشر فى الأعراف الديمقراطية له شأن عظيم!!)
أما ثاني المبدأين اللذين أسس عليهما قانون المجالس الجهوية فهو كثير من تقييد الصلاحيات بأغلال الوصاية؛ و لا يخفى على اللبيب إشارة هذين المبدأين إلى احتمال ظهور “تجاذب عقيم” بين المجلس الجهوي و سلطات الوصاية يتكئ فيه الأول على المشروعية الانتخابية و تحتج فيها الثانية بالشرعية القانونية.
ومبلغ الرأي عندى بهذا الخصوص هو أن يتم تحرير تعميم فى عاجل الآجال صادر عن الوزير المكلف باللامركزية موجه إلى سلطات الوصاية و رؤساء المجالس الجهوية يفسر و يبسط معالم و مغازي الوصاية و الرقابة على المشروعية و يحض على تفادى و اتقاء كل “شبهات التجاذب العقيم ” بين المجالس الجهوية و سلطات الوصاية و يلوح بمكافآت كبيرة للمجالس الجهوية والسلطات الجهوية التى تجسد مثالا وقدوة فى التكامل و التناغم المؤسس و المرسخ للتجربة الجهاتية الناشئة.