الصبر في القران الكريم

أربعاء, 01/17/2024 - 08:52

الصبر في لسان العرب وفي تفصيل الكتاب المنزّل هو حبس النفس عن الاستعجال بانتظار موعود منتظر.
ويعني التكليفُ بالصبر في تَفصيل الكتاب المنزل دعوةَ المكلَّف إلى حبس النفس عن استعجال غيب موعود كما في قول شعيب ﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ ءَامَنُوا بِالذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَـمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّـى يَـحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْـحَاكِمِينَ﴾[الأعراف 87] ويعني أن رسول رب العالمين شعيبا قد أخبر قومَه بوعد الله أن يحكم بين الفريقين في الدنيا بنجاة المؤمنين وتدمير المجرمين، فلينتظروا نفاذَ وعدِه.
ويعني قوله ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف 128] أن موسى قد أخبرهم بوعد الله أن ينزع الملك من فرعون وأن العاقبة في نهاية الصراع بين الحق والباطل إنما هي للمتقين فلينتظروا نفاذ وعدِه.
ويعني قوله ﴿وَتَـمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْـحُسْنَـى عَلَى بَنِـي إِسْرَائِيلَ بِـمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾[الأعراف 137] أن تدمير ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ونجاةَ بني إسرائيل هي كلمة ربنا التي تمت أي وَعْدُه الذي نفذ وتمّ لـمّا صبروا أي آمنوا بوعد الله وانتظروه. 
ويعني قوله ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّـى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَبَإِى الْمُرْسَلِينَ﴾[الأنعام 34] أن الله قد وعَد رسُلَه بالآيات قبل نزول القرآن أن ينصرَهم في الدنيا وأنهم قد ءامنوا بوعْد الله وأوذوا فصبروا على انتظار نفاذِ الوَعْدِ حتى أتاهم النصر الخارق من ربّهم بإهلاكِ عدوهم واستخلافهم في الأرض من بعدهم.
وإن من القول الفصل لا الـهزل تكليفَ الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بالصبر على انتظار موعودات ثقيلة قبل انقضاء الدنيا ومُضيِّها، موعوداتٌ خفّت على كثير من المعمّمين أو علموها فقذفوا بها من مكان بعيد. 
ومنها سنة النبيّ الأمّيّ أي تكليفه في الكتاب المنزل كقوله تعالى:
﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾[الروم 60][غافر 55][غافر 77]
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَـهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَـمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِن نَـهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾[آخر الأحقاف]
ويعني تأكيدَ نفاذ وعْد الله وأنه حق ولو تراءى بعيدا للمكلف بالإيمان به أو للمكلف بالصبر.
وإن من المثاني قوله ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّـى يَـحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْـحَاكِمِينَ﴾[آخر سورة يونس] ويعني أن الله وعَد في القرآن أن يحكم بين الفريقين في الدنيا، وكانت الفاجعة الواجعة بتشريد ملايين المسلمين وتحريقِهم وتقتيل عشرات الآلاف من الرُّضَّع والأطفال والنساء والعجزة باستعجال الإسلاميين التمكين في الأرض قبل أن يأتِـيَ اللهُ بأمْرِه رغم صريح الخطاب ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّـى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾[البقرة 109] وسائر المثاني.
وقوله ﴿فَاصْبِرْ لِـحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْـحُوتِ﴾[القلم 48] يعني وعْدَ اللهِ المفصَّلَ في قوله ﴿فَذَرْنِـي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِـهَـذَا الْـحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَـهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾[القلم 44 ـ 45] وهو حُكْم ربِّنا الذي كُلِّفَ النبيُّ الأميّ صلى الله عليه وسلم بالصبر على انتظاره.
وقوله ﴿وَاصْبِرْ لِـحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾[الطور 48] يعني أن الله قد كَلَّفَ النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم بالصبر على انتظار حكمه بين الفريقين في الدنيا كما هو مفصل في قوله ﴿فَذَرْهُمْ حَتَّـى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لَا يُغْنِـي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاصْبِرْ لِـحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾[الطور 45 ـ 48]، وإنَّـما الكيْدُ والجهد في الدنيا كذلك الصَّاعقة كالتي أهلك الله بها ثـمود.
إن تكليف النبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلم بالصبر حيث وقع في الكتاب المنزل عليه هو من سنّته التي كُلِّفَ بها ولزِم من اتّبعه أن يصبر وينتظر حكم الله ووعدَه أن ينصُرَ رُسُلَهُ بالآيات كما في ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾[غافر 51] ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾[آل عمران 194].
وإن قوله ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَـمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾[هود 48 ـ 49] ليعني أن نبوة نوح ـ بعد إغراق المكذبين ـ ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَـمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ لم تنقضِ يوم نزل القرآن إذ نبّأ الله بها كذلك في القرآن وسيتم نفاذها لتكون العاقبة للمتقين وكلّف النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم بالصبر قبل نفاذ وعد الله فكان من سنته ولزم من آمن به اتّباع سنّته.
وإنّ قوله ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾[آل عمران 124 ـ 125] ليعني أن قوله ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ وَعْدٌ من الله في القرآن وكلّف المؤمنين بالصبر قبل نفاذه المؤكد بالحرف ﴿بَلَى﴾ فما بعدُ من تكرار الوعْدِ، ويعني تنزُّل الملائكة والروحِ جبريل معهم بالنصر الخارق في ليلة القَدْرِ بكل أمْرٍ عُذِّب به الأولون فيُبشّرون المؤمنين ويأخذون المجرمين من مكان قريبٍ ولا فَوْتَ لأحد منهم عند مطلع فجر ليلة القَدر.
وهذه اليلة زمانية وليست مكانية فهي كانت انقضت ولا رجوع لها كما يرى مفكرنا العربي الاستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي 
الفقيه التنويري :نوح عيسى 
عضو الامانة العامة لمؤسسة رسالة السلام العالمية موريتانيا.