يعتبر جهاز الأمن أحد أهم أجهزة الدولة على مر العصور وهو الركيزة الأساسية لاستتباب النظام العام واستمرار الدولة ،فبدون جهاز أمن ديناميكي وفعال ومواكب لتطور المجتمع وتطور الجريمة وتنوعها لا إمكانية لاستقرار ولا استثمار ولا إزدهار ،
فمن خلال هذا المقال سنعالج بموضوعية، مسؤولية القائمين على الأمن العمومي بين التقييد والتفويض والتمكين .
لقد شكلت قضية الشهيد الصوفي ولد الشين وما تخللها من تهور وإساءة لممارسة سلطة الضبط القضائي تحولا في مسار الشرطة الوطنية وصدمة أثرت على سلوكها ،حيث تلقف الشارع الحادثة بكثير من التنديد والاستهجان كون الضحية ليس ذو سوابق إجرامية وتهمته الوحيدة عدم إيفائه بدين عليه لشخص آخر ،ألقت هذه الحادثة الشنيعة الضوء على سلوك قادة وأفراد الأمن العمومي وعلى الصلاحيات الممنوحة لهم لضبط الأمن ومكافحة الجريمة ، بين طرف يرى بأن تلك الصلاحيات يجب تقييدها كما يرى بأن جهاز الشرطة تجاوز حدود صلاحياته القانونية وأنه أصبح يتغاضى عن المجرمين واللصوص ويصفي حسابات مدفوعة الثمن لدائنين وغيرهم من المُتعاملين وعليه يجب أن يشهر بالجهاز وتقييد سلطته وجعل أفراده تحت سلطة الرأي العام لضبط سلوكهم وأغلب أهل الرأي مدونين وصناع محتوى افتراضي.
أما الطرف الآخر ويشكل نخبة المجتمع وأهل الرأي فيه فيرى بأن صلاحيات وسلطة الضبطية القضائية الممنوحة لجهاز الأمن العمومي لتحقيق الاستقرار ومكافحة الجريمة، لايجب أن يقيدها سوى الشطط في استخدام تلك السلطة فيما لايخدم الأمن والاستقرار ، ويشكل حادثاً مأساوياً كما حدث في قضية ولد الشين ،وتبقى حسب رأيهم تلك الحادثة سلوكا فرديا تجب معاقبة مُرتكبيه لكنه في الآن وقته يجب أن لايؤثر على بقية مسؤولي وأفراد جهاز الأمن العام في تأدية مهامهم وتعقبهم للمجرمين بكل الطرق الممكنة لتحقيق الأمن العام ،وتلك الحادثة المُفجعة يجب أن تُبعدهم فقط عن التهور في ممارسة سلطتهم في غير محلها.
لقد استند هؤلاء على السلطة الواسعة المخولة للأجهزة الأمنية في دول العالم المتقدم وكذلك في دول الجوار حيث تجري شبه إعدامات ميدانية لللصوص أصحاب الجرائم وعمليات السطو بدون رادع ، ولدى الأجهزة الأمنية في تلك الدول كامل الصلاحيات في عمليات التفتيش والتوقيف والاقتحام وقت ماشاءت وفي المكان الذي شاءت ولا يحد تلك السلطة إلا الشطط في استخدامها بعيدا عن أهدافها المنوطة بها تحقيقها وخير مثال على ذلك تجربة الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وساحل العاج وكثير من دول العالم التي كانت معدلات الجريمة مرتفعة فيها ويظهر تعامل الأجهزة الأمنية مع المجرمين بكثير من عدم التساهل إلى حد تحييدهم بشكل نهائي.
خلاصة القول تعد الصلاحيات مسؤولية لايجب منحها إلا لمن يستحقها وقادر على ممارستها وفقاً للقانون وطبقا لأهداف تحقيق الأمن والنظام العام الذي لايمكن أن تحققه أيادي مرتعشة وتخشى سلطة الفضاء الاجتماعي ،كما أن الأخطاء التي يرتكبها بعض قادة أو أفراد جهاز الأمن في التعامل مع بعض الحالات غير الاجرامية بإجراءات أو سلوك يؤدي للقتل أو التعذيب يجب النظر إليه كسلوك فردي من شخص أو أشخاص لم يستحقوا ثقة التعيين والصلاحيات الموكلة لهم ،ويجب معاقبتهم دون التأثير على بقية قادة وأفراد جهاز الأمن العام الذين مهما كانت صلاحياتهم تبقى محدودة مادامت الإمكانيات والآليات التي يتحركون بها غير كافية لتحقيق مهمتهم النبيلة والتي لاشك تؤثر محدوديتها على أداءهم وسلوك بعض أفرادهم وانتهاجهم طريقا للتحصيل على حساب الأمن والسكينة العامة.
الباحث الاكاديمي سيد ألمين ولد الحاج