قراءة في كتاب «الزكاة.. "صدقة وقرض حسن"

أحد, 03/24/2024 - 09:37

 

يحتوي كتاب «الزكاة.. صدقة وقرض حسن» للمفكر العربي علي الشرفاء الحمادي على معنى الهدف من الزكاة في الخطاب الإلهي، كما شمل الكتاب على رؤية تدبرية لنصاب الزكاة الحقيقي كما ورد في آيات الذكر الحكيم وهو ما خالف ما جاءت به كتب التراث في تحديده دون سند.

وصدر كتاب «الزكاة صدقة وقرض حسن»، عن «مؤسسة رسالة السلام للأبحاث والتنوير» باللغة التركية إلى جانب اللغة العربية، وشارك من خلال جناح المؤسسة في المعارض الدولية داخل وخارج الوطن العربي، محققًا قبولًا كبيرًا من جمهور تلك المعارض.

الزكاة إرساء لقاعدة التكافل الاجتماعي 

يقول المفكر علي الشرفاء في مقدمة الكتاب، لقد كان للزكاة في الخطاب الإلهي هدفاً محوريًا وهامًا، ألا وهو إرساء قاعدة التكافل الاجتماعي في أجل صوره.

وكان تعبير الخطاب الإلهي في ذلك بعبارة الإنفاق في سبيل الله. وهذا الإنفاق هو نوع من الجهاد.

وعليه يُعد سعي الأمة للتكافل فيما بينها جهادًا في الله وسعيًا إلى مرضاته.

وفي ذلك يقول الله تعالي في محكم آياته:

«مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة : 261)

وتتصدر هنا الزكاة كافة مسارات الإنفاق، وتجسد أعلى صور التكافل الاجتماعي. وبها يعمر المجتمع ويزدهر.

مقاصد الخطاب الإلهي في شأن الزكاة

إن مقاصد الخطاب الإلهي في شأن الزكاة، تحمل من الدلالات العظيمة ما يعجز عن إدراكه الكثير ممن تسموا بعلماء وفقهاء.

فالزكاة في التشريع الإلهي تحمل بين طياتها سرًا من أسرار هذا الدين القيِّم.

حين تكون الزكاة عاملًا هامًا، وأداة محورية في الحفاظ على وحدة الأمة وسلامة مجتمعاتها.

لماذا سميت الزكاة بهذا الاسم؟

وقد سُميَّت الزكاة بهذا الاسم، لأنها تُزكي النفس البشرية وتطهرها. وتجعلها مطواعة للخير، بعيدة عن الشر، بفعلها يصلح المجتمع ويأتلف. ويغدو متماسكاً، قوياً كالبنيان المرصوص.

ومن هنا، جعلت الزكاة ركنًا وفرضًا، حالها حال الصلة والصيام وحج بيت الله الحرام. مصداقًا لقوله تعالى:

«وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (البقرة : 110)

تلك دعوة مخلصة، فمن شاء قَبلِها، ومن شاء رفضها، وحسابنا جميعًا عند الله يوم الحساب.

الزكاة فرض وعبادة

وقد جعل الله فريضة الزكاة في تشريعه الإلهي الضمانة الحامية لروح التكافل الاجتماعي داخل الأوطان، حين أرادها فرضًا وعبادة يأثم تاركها إن كان قادرًا علي البذل.

في حين أنه سبحانه وتعالي قد أعفى الفقير من العطاء، فليس عليه من زكاة ما دام غير قادر.

وقد اتخذت فريضة الزكاة مكانًا محوريًا في الخطاب الإلهي، حيث إنها السبيل لتكافل المجتمعات داخل الأوطان، حين اعتبرها الله شراكة بين الفقير والغني في المال.

نسبة مال الزكاة وفق التشريع الإلهي

ويضيف المفكر علي الشرفاء في الكتاب: إن الزكاة هي خَلْق شراكة بين الفقير والغني للمحافظة على سلامة المجتمع وأمنه، وأن تشريعات الأقدمين لا يدعمها سند من القرآن، وما قرروه من نسبة وهي 2.5% بعد مُضى سنة على رأس المال الذي قد ينفذ خال السنة، نتيجة مغامرات في البورصة أو خسائر لأسباب ل مختلفة، وبالتالي لن تتحقق النسبة المقررة، وهنا يتسبب ذلك في حرمان المجتمع من حق الزكاة.

كما أن كل القواعد التي وضعت كنصاب للزكاة لا تحقق مقاصد التشريع الإلهي في مشاركة الفقراء مع الأغنياء في الثروة التي تحصن المجتمع مما يهدده من أخطار على أمنه.ولو رجعنا إلى المنهج الإلهى لوجدنا فى قوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الأنفال: 41).

حيث إن الغنيمة تعني المكسب وأن الخمس يعني20% من الأرباح غير مرتبط بمدة، إنما حيث يتحصل الإنسان على صافي المكسب في أي وقت.

سد الفجوة بين الغني والفقير

يدفع 20% من صافي الربح، وذلك هو المقصود من أهداف الزكاة حتى تستطيع سد الفجوة بين الغني والفقير، ولقد شاب تشريعات نسب الزكاة النقدية والعينية، طمع النفس والأنانية وحب المال، ولم يدركوا أن الذي منحهم المال والنعمة بقادر أن يزيلها في لمح البصر.

وحتى يتحقق المقصد الإلهي لصالح الناس عيشاً وأمنًا ويزول الحقد والحسد ويتحقق التكافل والتراحم بين الناس مما يحصن سلامة المجتمع، ويضمن أمنه واستقراره ليعيش الناس فيه سعداء ترفرف عليهم رحمات الله وبركاته، فعندئذ تختفي السرقة وتقل الجرائم، ويعم الخير، وعلى أفراد المجتمع الطمأنينة.

وهنا لن تجد محرومًا يبحث عن طعام أو مسكيناً يسأل عن دواء، أو فقيرًا لا يجد قوتًا لأولاده.

اتباع الأهواء في تقدير الزكاة

ولذلك ظل المسلمون يستقون تشريعاتهم من فقهاء الأنانية، وذوي الأهواء وضعف الإيمان، ولو أنهم استيقنوا بوعد الله للذين ينفقون أموالهم كما أمر الله سبحانه سيضاعف لهم ما أنفقوه أضعافًا كثيرة، واعتبروا الإنفاق في سبيله قرضًا لله ولم يتبعوا قوله تعالى: «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا» (الإسراء: 29).

وقوله تعالى: «الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا» (النساء: 37).

كيف نصحح التشريع المتعلق بحقوق الزكاة؟

ليظل المجتمع الإسلامي يسوده الحقد والحسد وتكثر فيه الجرائم وتنعدم فيه الأخلاق، ولا بد من تصحيح التشريع المتعلق بحقوق الزكاة مبنيًا على مرجعية القرآن الكريم، وليس على تشريع الروايات البشرية ومكنوناتها النفسية وأمراضها من حب المال والطمع والبخل الذي طغى على تشريعاتهم.قوله تعالى: «مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (البقرة: 245).

فهل نستكثر على الله 20% من صافي أرباح المكاسب التي تتحقق للإنسان، حيث يبقى له 80% إضافة بأن الله سبحانه سيضاعف له ذلك القرض أضعافًا مضاعفة.

1 – «إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ» (التغابن: 17)

2 _ «مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (البقرة: 245).

3 – «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ» (المزمل: 20).

4 – «مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» (الحديد: 11).

5 – «إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ» (الحديد: 18).

القرض الحسن هي الصدقة التي ينفقها الإنسان على الفئات المستحقة وهي الزكاة التي تزكي أموال الأغنياء وتطهرها واعتبرها الله سبحانه وتعالى قرضا، وأن الله وعد من يقرض الله أنه سبحانه سيضاعف له مردود القرض أضعافًا مضاعفة.

وقد ضرب الله مثال بذلك بقوله سبحانه: «مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة: 261).