سلط المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في مقاله “لمن تُصرف الزكاة” الضوء على أهمية الزكاة في الإسلام كوسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتطهير النفوس والأموال.
يستشهد المفكر العربي علي الشرفاء بآيات قرآنية تُظهر الحكمة الإلهية في تحديد الفئات المستحقة للزكاة، ويؤكد على الدور الهام الذي تلعبه هذه الفريضة في دعم الفقراء، المساكين، الغارمين، وغيرهم من المحتاجين في المجتمع ، كما يبرز أهمية النية الصالحة والإخلاص في أداء هذه العبادة، مشيرًا إلى أن الزكاة ليست مجرد التزام مالي بل عمل يسهم في تقوية الروابط الاجتماعية ويعزز من مفاهيم التكافل والرحمة بين الناس.
وكعادة المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يوضح بفهم عميق لمقاصد الشريعة الإسلامية من خلال التفكيك الدقيق للنصوص القرآنية وتحليله المعمق لفريضة الزكاة ما يعكس مدى ارتباطه بالمبادئ الإسلامية وتعلقه بقضايا العدالة الاجتماعية مما يجعل من مقاله موردًا قيمًا للعلم والمعرفة للقراء المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
حقوق الفئات المستحقة
حقوق الفئات المستحقة قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) ﴾ ( المعارج: 24-25) ، إنهم الذين يؤمنون بحق الفقراء والسائلين والمحرومين هم الذين قال الله عنهم: أولئك الذين يؤمنون بهذا الحق في أموالهم هم في قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ فِیۤ أَمۡوَ ٰلِهِمۡ حَقࣱّ مَّعۡلُومࣱ ٢٤ لِّلسَّاۤىِٕلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ ٢٥ وَٱلَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوۡمِ ٱلدِّینِ ٢٦ وَٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ ٢٧ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمۡ غَیۡرُ مَأۡمُونࣲ ٢٨﴾ ( المعارج: 24-28)
أولاً: قوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَمَى وَالْمَسَكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ( الأنفال: 41).
ثانياً: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ (البقرة: 267).
معايير الزكاة
لقد وضع الله سبحانه المعاير التاليين:
أولاً: وضع الله سبحانه معيار الزكاة بالخمس. ثانياً: استقطاعها من المكسب مما يعني صافي الربح للصدقة والزكاة وهي الخمس مما يكسبه المسلم ، كما جاء أعلاه في الآيتين الكريمتين ، حيث ربط الإنفاق بالمكسب دون تحديد مدة زمنية. فكلما تحقق مكسب صافٍ للإنسان بعد خصم كل المصروفات التي ترتبت على العمل ، أو المشروع أو التجارة أو الزراعة ، ونتج عنه ربح صافٍ في أي وقت و أي مكان ، فهو ملزم بأن ينفق 20% من مكاسبه ويحتفظ بـ 80% من الأرباح لنفسه بعد خصم كل المصروفات التي احتاجها العمل الذي تحقق له منه المكاسب. وعد الخالق-سبحانه- تلك النسبة قرضاً يقرضه الإنسان الله ، كما جاء في الآيات السابقة. كما أن الله-سبحانه- أقر أن ما ينفقه الإنسان هو حق معلوم كما جاء في الآيات السابقة ، وأن الفئات المستحقة للصدقة شركاء فيما يكسبه الأغنياء من مكاسب وأرباح بمقدار 20%.
وتأكيداً للإنفاق يستخرج الإنسان من المكسب ما تؤكده الآيه يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِتَاخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيُّ حَمِيدٌ ﴾ ( البقرة: 267).
وذلك ما أشارت إليه ( الآية رقم 41 من سورة الأنفال) في قوله تعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ إنْ كُنْتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وما أنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
واستنباطاً من الآيه المذكوره أعلاه في سورة البقرة ( 267): ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ ، لذا فإن هذه الآية تؤكد أن الغنيمة مكسب ، والإنفاق يجب أن يكون من المكسب بالنسبة التي قررها الله سبحانه في الآيه المذكوره أعلاه. والفئات المستحقة للإنفاق والصدقة والزكاة وهم: الوالدان وذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والفقراء والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي سبيل الله واليتامى والعاملون عليها والسائلون والمحرومون. وتلك الفئات المستحقة للإنفاق عليها مستثناة من دفع الصدقة والزكاة ، لذلك حددت الفئة التي فرض الله عليهم دفع الصدقات والزكاة الذين تحققت لهم المكاسب من خلال مشاريعهم التجارية والزراعية والصناعية ، وأصبحت الزكاة محصورة في المكاسب فقط دون تحديد مدة ، وزمن معين التي يلتزم الإنسان بدفعها لمصارف الصدقة والفئات المستحقة ما يعادل 20%. ولقد قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله عليه الصلاة والسلام ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ( التوبة: 103).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَكِينِ وَالْعَمِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمُ ﴾ ( التوبة: 60).
الصدقة فريضة من الله علي المسلمين
مما يعني أن الصدقة هي فريضة من الله علي المسلمين ومعنى تزكيهم وتطهرهم بها ، أي أن الصدقة عمل مادي ، ينفقه الإنسان من صافي ربحه بنسبة 20% للفئات المستحقة للصدقة ، بينما التزكية هي طهارة للمال وطاعة الله وهي أمر معنوي. ولذلك نجد الزكاه اقترنت بالصلاة في كثير من آيات القرآن الكريم مثال ذلك في ( سورة التوبة الآية ( 18) (وَأَقَامَ الصَّلَوٰةَ وَعَالَى الزَّكَوةَ) وفي سورة البقرة الآية رقم ( 43) (وَأَقِيمُوا الصَّلوةَ وَءَاتُوا الزَّكَوةَ. والآية رقم 83 من سورة البقرة) (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَوَةَ وَءَاتُوا الزَّكَوةَ.) ( والآية رقم 110 من سورة البقرة) (وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَاتُوا الزَّكَوةَ). كما نرى فيما سبق ، وما فرض الله من حق معلوم للسائل والمحروم في أموال الأغنياء ، إنما هو امتحان صعب بالميثاق المقدس ، بينه وبين الله في الوفاء بكل شروطه ، وباتباعه المنهج الإلهي المتكامل من عبادات وأخلاقيات ومعاملات وتشريعات ، وتصديقاً لا يقبل الشك بأن وعد الله للمؤمنين فيما لو طبقوا الميثاق جزاؤهم الجنة مع الصديقين والأنبياء ، إضافة إلي وعد الله للناس بأن يضاف ما ينفقوه من صدقات للفئات المستحقة والمحروم في سبيله لتزكية ماله ، وليطهره ليزيده بركةً ونماء ، وذلك تدعمه الأسباب التالية:
1- اعتبر الله سبحانه ما ينفقه الإنسان من صدقات تزكية وتطهير للمال.
2- تكفل الله سبحانه بمضاعفة ما ينفقه الإنسان في سبیله من صدقة مفروضة له.
3- جعل الله ما ينفقه الإنسان في سبيله كقرض سبحانه ، ومن كرمه بالرغم من أن الرزق كله من عنده والمال مال الله ، والإنسان وما يملك كله الله وذلك لتقوية إيمانه ، ولتعينه على الانتصار على جشع النفس وشحها وخوفها من إنقاص ما يتم إنفاقه ، لتطمئن النفس بأن الله سيخلف ما أنفق إن كنا نؤمن بالله ، ونثق في وعد الله بمضاعفة الإنفاق. كما وصفهم الله سبحانه بقوله: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَجِكَ يُسَرِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَبِقُونَ * وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَبُ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) ( المؤمنون: 60-62 ذلك ما يريده الله من أن تعم رحمته كل الناس ، ويرفع عنهم كل ما يضيق عليهم حياتهم ، ويساعدهم على متطلبات العيش الكريم ، ويرفع عنهم حرج السؤال لضيق ذات اليد ؛ بتأمين قوت أسرهم ، وتأمين حاجاتهم اليومية ، لتعم الرحمة والبركة كل أفراد المجتمع ، ويعيش الناس في سلام ووئام. قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمُ ( التوبة: 60). وللتأكيد بأن الله فرض الصدقة ، وحدد الفئات المستحقة كما جاء في الآية المذكورة أعلاه ، وأن الصدقة هي التي يقصدها التشريع الإلهي ، والتي تتحول إلى عناصر مادية ، سواء كان مالاً أو زرعاً أو منتجاً صناعياً أو من الأنعام ، أو ما يتحقق من مكاسب في كل أنواع النشاط الاقتصادي ، وهم أصحاب الأموال. ولذلك أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهَرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلَّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَتَكَ سَكَنُ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ( التوبة: 103). وأيضا تؤكد الآية المذكورة ، أن المقصود بالزكاة هي الصدقة ، والموجه إليهم الخطاب: أصحاب الأموال ، وأن ينفقوا الصدقات مما يتحقق لهم من مكاسب نتيجة لأعمالهم التجارية وأنشطتهم الاقتصادية ، ليتحقق للمتصدق تزكية ماله وتطهيره.
( خُذ مِن أَموالهم صَدَقَةً)
ولذلك شرع سبحانه وتعالى الإنفاق ليتم من خلال المكسب تأكيداً لقوله تعالى: ا يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ﴾ ( البقرة: 267). أولاً: إذا الخطاب المتعلق بالصدقة موجه إلى أصحاب الأموال بمنطوق ما جاء في الآية المذكوره: ( خُذ مِن أَموالهم صَدَقَةً) وأن الصدقة يجب أن تنفق من طيبات ما يكسبه الإنسان ، إنما يعني ذلك أن الإنفاق بالصدقة يكون من مكاسب المال الحلال. ثانياً: بما أن الفئات المستحقة لا تملك المال ، ولن يتحقق لها مكاسب جراء قصور القدرة على تشغيل المال في مختلف القطاعات الاقتصادية ؛ إذاً فهم معفيون من الالتزام بدفع الصدقات لتزكية أموالهم ، إذ ليس لديهم مال يحتاج إلى تزكية وتطهير ، فهم مستثنون من دفع الصدقات.
ثالثاً: تنفق الصدقات على الفئات المستحقة في المجتمع دون استثناء لأي فرد من أفراد المجتمع ، لدينه أو قوميته أو لونه ، فكل الناس دون استثناء- الذين هم ضمن الفئات المستحقة للصدقة ، يتم دفع المستحق لهم من الزكاة