كلنا شركاء في بناء الوطن بقلم د. محمد الراظي بن صدفن.

خميس, 04/11/2024 - 23:39

 

يجمع معظم الدارسين المهتمين بالتاريخ السياسي المعاصر لموريتانيا على أن الحرب العالمية الثانية ، شكلت منعطفًا تاريخيًا حاسمًا على صعيد المشاركة السياسية في ظل الإدارة الإستعمارية التي أقرت و للمرة الأولى حق الأقاليم الواقعة تحت الحكم الفرنسي في اختيار ممثليهم لدى الجمعية الفرنسية عبر الاقتراع المباشر في هذا السياق، تم انتخاب أحمدو بن حرمة بابانا كأول ممثل لموريتانيا في البرلمان الفرنسي سنة 1946م بعد فوزه الكاسح على مرشح الإدارة الفرنسية ( إيفون رازاك) الذي مني بهزيمة كبيرة في هذه الاستحقاقات.

و في حقيقة الأمر لم تخف هذه الإدارة انزعاجها وامتعاضها المتكرر من الميول الوطنية لممثل موريتانيا الجديد ومن مواقفه التحررية المعلنة غير المنسجمة مع سياساتها و استيراتيجيتها الجديدة
الهادفة إلى إبقاء البلاد في ظل التبعية المباشرة لفرنسا ضمن الدول السائرة في هذا المنوال. 

لهذه الأسباب فقد عملت فرنسا قصاري جهدها لأخراج النائب أحمدو ولد حرمة بابانا من المشهد السياسي عبر تدخلها المباشر و تأثيرها علي سير الإنتخابات النيابية لسنة 1951م ، التي فاز فيها سيدالمختار ولد يحيا أنجاي عن حزب الإتحاد التقدمي. ودون الخوض في طبيعة هذه الانتخابات و موقف الخصوم السياسيين منها والمآلات التي أدت إليها، فإنه يمكننا القول أن الدولة الموريتانية المستقلة عرفت مخاضًا عسيرًا في نهاية خمسينات القرن الماضي بسبب تباين المواقف بين التشكيلات السياسية آنذاك و تعدد المشاريع المطروحة لما يمكن أن يكون عليه مشروع الدولة الوليدة وطبيعة نظام الحكم فيها و توجهاتها الإقليمية والدولية.

و قد جسد مؤتمر آلاك لسنة 1958م والذي حضره أمراء البلاد و زعاماتها القبلية و تشكيلاتها السياسية، اللبنة الأولى لقيام الدولة الموريتانية المستقلة بعد أن اتفق الجميع على تقديم مصلحة البلاد على ما سواها و توحيد الجبهة الداخلية من خلال انصهار كل التشكيلات السياسية في إطار موحد و العمل معا علي مواجهة كل التحديات.

و رغم أن هذا الحراك السياسي نجح في تحقيق مطلب الاستقلال "التام" سنة 1960م و تتويج الرئيس الراحل المختار بن داداه كأول رئيس مدني سيحكم البلاد لمدة 18سنة، لم تطلب أي جهة من مناطق البلاد فرض وصاية على عمل الحكومة الجديدة أو المطالبة بمحاصصة فيها، أو التشكيك في نزاهة القرارات التي تتخذها. كما أن نظام الحكم و قتها لم يوصف في أي وقت من الأوقات بأنه جهوي أو قبلي أو ما شابه ذلك. لأن النظام الجمهوري الذي ارتضيناه لأنفسنا يعطي صلاحيات واسعة للرئيس تمكنه من العمل وفق مقتضيات الدستور و القانون.

أضف إلى ذلك أن مختلف ولايات الوطن
بتشكيلاتها الاجتماعية و القبلية قد تماهت بشكل كبير مع مختلف الأنظمة التي تعاقبت علي دفة الحكم في البلاد بعد الإطاحة بالنظام المدني سنة 1978م سواءً تلك التي جاءت عن طريق القوة القاهرة أو بواسطة الانتخابات في مرحلة لاحقة، بدءً بنظام محمد خونا ولد هيدالة(1979-1984) مرورًا بحقبة معاوية بن سيد أحمد ولد الطايع ( 1984-2005) و انتهاء بعشرية محمد ولد عبد العزيز ( 2009-2019).

 وقد شكلت ولايات الحوضين و لعصابة على وجه الخصوص الدعامة الأساسية لتلك الأنظمة من خلال إضفاء المشروعية السياسية على برامجها.
اليوم، في فترة رئاسة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ، ورغم أنها المرة الأولى التي يتولي فيها زعيم سياسي ينحدر من المنطقة الشرقية تسيير شؤون الحكم بالبلد وبإجماع وطني غير مسبوق، تسعي بعض الأطراف إلى التشويش على مسار الإصلاح السياسي الذي أطلقه سيادته والذي قطع أشواطًا مهمة على طريق المصالحة الوطنية و إعادة الثقة بين الفرقاء السياسيين و تحقيق الانسجام الاجتماعي المطلوب بين جميع مكونات شعبنا.

ويشن أصحاب هذا التوجه حملة دعائية تستهدف التقليل من أهمية الإنجازات التي تم تحقيقها تارة و اتهام النظام بتدوير المفسدين و بالارتهان للأطر القبلية و الجهوية تارة أخرى. وهي حملة تلاقي استهجانا واسعا من المتابعين للشان المحلي بسبب الأساليب المتبعة فيها، والتي لم تعد تنطلي على أحد  لما لها من ضرر كبير على الخطاب السياسي.
وفي المحصلة فإن وضعية البلد اليوم في ظل ما يشهده المحيط الإقليمي والقاري باتت تفرض أكثر من أي وقت مضى تقوية الجبهة الداخلية و الوقوف سدا منيعًا أمام كل دعوات التفرقة لأن موريتانيا وطن للجميع و من حقنا جميعًا المشاركة في بنائه.