في كتابه الجديد «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، يبدو صوت المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، صوت العقل والاعتدال.
لذلك هو درّة مضيئة في هذا الزمن الموغل في ظلاميته. هو عودة إلى الأصل الإلهي عوضًا من التلهي والانجراف في تيّار الإضافات والاجتهادات المغرضة، التي تفسد الدين ـــ كل دين ـــ لأنها تبعده عن الأصل وتحشوه بانحرافات مشبوهة، تشحن العقول والنفوس؛ فترتفع أصوات العنف والتطرف والذبح، ويغيب صوت الإيمان الصافي؛ فلا يعود له حضور إلا في صدور قلة قليلة من المؤمنين الحقيقيين الواعين، الذين يفصلون ما بين الجوهر وما علق به من إضافات وانحرافات لا تمتّ إليه بصلة.
ومَنْ يعرف المفكر علي الشرفاء عن قرب، يدرك جيّدًا أن هذا الرجل، في كلّ مواقفه ومجالسه، يدعو دائمًا للعودة إلى الإسلام الحقيقي، إلى الدين الحنيف، والابتعاد عن كل ما يمكن أن يحرف الدين الإلهي عن استقامته وسماحته، والاعتدال الكبير الذي يتميّز به.
والمفكر الشرفا، في كل مقالاته ودراساته، يحمل لواء التعقّل والانفتاح وقبول الآخر. ذلك أن الخطاب الإلهي، كما يقول، «يخاطب الله به الناس كافة، دونما استثناء لقوم دون قوم. بنداء امتزج بالرحمة والرأفة والتحذير لما فيه صالح الناس جميعًا».
ويبذل المفكر الشرفا جهدًا مخلصًا طوال فصول الكتاب؛ كي يميز بين ما هو خطاب ديني، وما هو خطاب إلهي، فيرى أن الخطاب الديني اعتمد على روايات وأقوال بشرية لا يمكن بأي وسيلة التأكد من مصداقيتها، في حين أن الخطاب الإلهي اعتمد على كلام الله في القرآن الكريم وعلى آياته التي تشع نورًا لصالح الإنسانية كلّها، وفيها الرحمة والعدل والحريّة والإحسان، والسلام والتعاون والمساواة بين الناس جميعًا، كما يقول.
لذلك فإن المفكر علي الشرفا يدعو إلى التقيّد بالخطاب الإلهي وليس بالخطاب الآخر. وفي هذا يكمن الحل الناجع لكل المشاكل المزمنة التي يتخبط فيها عالمنا الإسلامي. فمعرفة الداء تؤدي إلى الاهتداء للدواء، وخير دواء للداء الذي ينهش مجتمعاتنا هو الاعتصام بالخطاب الإلهي دون سواه، كما يقول الشرفا الذي يبدو في كتابه هذا، صوت العقل والاعتدال والحرص على الدين الحنيف وتعاليمه الصافية، بما يتكفل بإصلاح كل خلل يمكن أن يتأتى جراء الانحرافات التي لا بدّ من حدوثها في كل المجتمعات.
أخيرًا، كم نحن بأمس الحاجة إلى أصوات العقل هذه!
لا بل كم نحن نعاني؛ لأن مثل هذه الأصوات غائبة، أو هي على الأصح مغيّبة إلى حد بعيد!