الحديث عن الدينقراطية في المجتمعات الراقية ذات الصولة والجولة في المجال تركز في أساسياتها علي دور المجتمع المدني بوصفه ركنا قويما من أركان متطلبات الفعل الديمقراطي القويم.
فالاعوجاج الذي تعاني منه أية ديمقراطية لا يجد في الأغلب الأعم من وسيلة للتصحيح غير مجتمع مدني واع بمسؤولياته نشط في عمله ملتزم في فعله.
فحين نتحدث عن المجتمع المدني في هذا المنحى لا يمكننا تصنيفه إلا في خانة كونه وسيلة مثلي للإدارة السليمة للتنوع والاختلاف وهذا هو مربط الفرس في العملية الديمقراطية الصرفة.
فمبدأ إقرار الحقوق المدنية للأفراد أو المواطنين، واعتبار أن السلطة السياسية قامت باعتبارها نتاجًا لعقد اجتماعي محدد لا يتحقق إلا من خلال هيئات المجتمع المدني والتنظيمات الحرة والنقابات النضالية.
وحين يلعب المجتمع المدني هذا الدور فإننا سنكون أمام تحقق لأحد أهم المقومات الديمقراطية والأسس السليمة لها والتي من دونها ستكون الديمقراطية مغشوشة لا تؤدي غايتها ولا تفضي إلى تحقيق التقدم والتطور المنشود.
وقد ظلت المطالبة بالتعددية السياسية والثقافية، وحرية التعبير، وحق المواطنين في إقامة تنظيماتهم السياسية والنقابية والاجتماعية والثقافية قائمة على طول مسار الدولة بيد أن تحقيق هذا المطلب ظل بدوره يراوح مكانه الي حين قريب بعد أن طبع المشهد السياسي تحولا جذريا مطلع تسعينيات القرن المنصرم.
وبما أن الديمقراطية بممارستها التعددية وليدة كان نتاج المجتمع المدني الذي رافقها إذ ذاك يحتاج الي وعي كامل ولما تمده التجربة الناشئة بتلك المهارة المطلوب. وكان لزاما القيام بعمل مرافق قصد تحقيق الغاية والهدف الأسمى للمجتمع المدني بما يمكن ديمقراطيتنا من أن تنمو وتزدهر على أسس صلبة قادرة على تطوير مجتمعنا.
ولعل العمق الحقيقي للديمقراطية التشاركية ينبع في جوهره وكنهه من عمق خياراتها الاستراتيجية المحلية، لكي تعمل على تحقيق الرتب العليا للشفافية والأخلاق والتي تهدف الي تجاوز أزمة التدبير المحلي كمطلب أول وزيادة مستويات الحضور ذي الفعل الإيجابي للمواطن في السياسات العمومية سواء أكان منتخبًا أو ناخِبًا كمطلب ثان.
وبالنظر الي تلك المعطيات فمن واجب مجتمعنا المدني أن يكون علي أعلي هذه المستويات حتى يصبح قادرا وبفاعلية مشهودة على لعب دوره كرافد أساسي من روافد الديمقراطية التعددية ذات الطموح الكبير فيما يخص النهوض بمجتمعنا وتوطيد الفعل الديمقراطي لضمان الحرية الجماعية وحقوق المواطن وترسيخ ممارسة حقيقية للفعل الديمقراطي بجميع أبعاده ومتطلباته.
إن مجتمعنا المدني مطالب اليوم أكثر من ذي قبل بأن يكون فاعلا ملتزما ونشطا وواعيا لكي ما يتخلف عن لعب دوره ويكون بذلك سطر في كناش تاريخ البلاد بأنه أخطأ وفوت فرصة ثمينة يظل على إثرها مدينا بحق لشغبه تقاعس في يوم الزحف. وتلك لعمري قاصمة الظهر.