يتضمن الجزء الأول من السلسلة مجموعة من الدراسات ومشاريع الحلول قاسمها المشترك أنها قومية المضمون؛ بمعني أن بعض الأفكار وإن كانت موجهة إلى دولة عربية بالذات إلا أنها تنطبق على كل الدول العربية.
دراسات ومشاريع حلول لمواجهة المستقبل العربي
إضافة إلى دراسات متعلقة بجامعة الدول العربية وأخرى متعلقة بمؤسسة القمة العربية، وهذا ما يجعلها مواضيع عربية عامة.
مؤلف هذا الكتاب، الأستاذ علي الشرفاء الحمادي، يهدف من خلال إيهاماته الفكرية إلى وضع الخطوط العريضة لمشروع القومية العربية وإيجاد منظومة سياسية واقتصادية وعسكرية قادرة على تحقيق التطوير في الوطن العربي، والقدرة على مواجهة المستقبل وتنمية قدراته في المجالات الاقتصادية والعسكرية والعلمية حتى تتحقق النتائج المرجوة، وتعود فوائدها على المواطن العربي في مختلف أرجاء العالم.
العقل العربي في حيرة
نستكمل الجزء الأول «دراسات ومشاريع حلول لمواجهة المستقبل العربي» من سلسلة ومضات على الطريق.
يقول المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في الفصل الرابع تحت عنوان (ماذا يعني مصطلح الأمن القومي العربي؟):
ماذا يعني مصطلح الأمن العربي؟ هل أننا ندرك معناه؟ وهل نعرف متطلباته؟ وهل نحن فعلاً أمة واحدة تربطنا مصالح واحدة مشتركة؟ هل ندرك أن أي خطر يهدد أحدنا هو خطرٌ يهدد الجميع؟ هل وظفنا قدراتنا الاقتصادية لخدمة مصالحنا المشتركة؟ هل أوجدنا منظومة أمنية تدافع عن مصالحنا المشتركة وتحمي دولنا مما يهددها من أخطار؟ هل يكفي أننا نتحدث اللغة العربية لكي نجتمع تحت ظلها؟
أعوام كثيرة مضت ولم تستطع لغتنا الجميلة أن تبعث فينا العزيمة والإرادة. بل إنها اليوم بدأت تترنح تحت وطأة حركة التغيير والتطور.
دعوة القيادات العربية للتفكير بعمق
إن القيادات العربية اليوم مدعوة إلى التفكير بعمق وموضوعية ورؤية جديدة تُميّزُ بين القول والعمل. رؤية تدرك أن الزمن أغلى شيء في عمر الأمم ، ولا بد من استغلال الوقت كي لا تفوت الفرصة ويقع المحظور، فدول العالم في سباقٍ محمومٍ وتنافسٍ رهيبٍ وصراعٍ اقتصاديٍ، بدأ يأخُذُ أشكالَ تكتلاتٍ اقتصاديةٍ دوليةٍ وتكتلاتٍ لشركاتٍ عالميةٍ لتكون لهم القدرة على المنافسة وعلى الحفاظ على تأمين الحد الأدنى لشعوبها من الحياة والمدنية. فأين الأمة العربية من ذلك وهي التي لديها كنوز وخيرات وثروات لكنها لم تستثمر وتوظف في خدمة أبنائها؟
لذا فإن القيادات العربية يجب أن تدرك أن الأخطار تحيط بها من كل جانب، وأن وقوع إحدى الدول العربية تحت سيطرة العدوان لا يعني بأن بقية الدول العربية ستكون في مأمن منه، وأن سياسة العولمة ستجر على شعوب الأمة العربية مآسٍ وكوارث إذا لم يتحدد مفهوم جديد وروابط عميقة لأهمية العلاقات العربية – العربية، والتزام واضح فيما بينها لبناء قاعدة جديدة تؤسس عليها مفاهيم جديدة أساسها العلاقات الاقتصادية التي تربط مصالح الشعوب العربية، لتصل بعدها إلى الشعور بمسؤولية الأمن المشترك من أجل البقاء، عندها ستدرك القيادات العربية أهمية إيجاد منظومة أمنية تحمي مصالحها مما يهددها من أخطار وإجراءات قد تصل بعض الأحيان إلى فرض وصاية على أهم ثرواتها، وهو البترول حيث تستطيع القوة المتحكمة اقتصادياً في العالم أن تفرض أوامرها على الدول المنتجة للبترول سعراً محدداً أو تفرض مقاطعة على الدول التي لا تنصاع لقراراتها، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على خطط التنمية، وما يعقبها من مشاكل اجتماعية تؤثر عل الجبهة الداخلية للدول العربية .
فلتكن وقفة يتم فيها تحكيم العقل والرؤية لإعادة النظر في مسيرة التضامن العربي الذي أصبح اليوم مجردُ شعارٍ خالٍ من أية أسس والياتٍ تدعمه وتُحوّل قرارات مؤتمرات القمة إلى إجراءات عملية تكون لها نتائج مؤثرة على سير الأحداث.
دور الجامعة العربية
لذا فان الأمر أصبح من الخطورة بحيث يتطلب أن تقوم الجامعة العربية فوراً بإعداد استراتيجية العمل العربي المشترك لوضع أسس علمية مدروسة تستوعب مطالب الجماهير العربية على امتداد الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه. فقد أدركت هذه الجماهير بوعي لا تنقصه الرؤية بأن الأمن العربي هو القاعدة الأساسية والركيزة الأولى التي يجب أن يقوم على أساسها التضامن العربي وتحدد فيه أسلوب العلاقات العربية، وهو السياج الذي سيحمي مستقبل الدول العربية ويحفظ لها سيادتها ويحمي ثرواتها ويجعل دول العالم تحترم قراراتها.
إن ما ذكرته آنفاً من أحداث مأساوية مرت على الأمة العربية كان من أهم أسباب التردي والهزائم المتلاحقة التي حلت بالأمة بسبب عدم وضوح الرؤية في ما تؤمن به كل الانظمة العربية، وهو أن وحدة المصير تحتم على الدول العربية أن تدرك أن لا ملجأ لامتنا إلا بتشكيل منظومة أمنية تهيئ لها أسباب النجاح ، بحسن تنظيمٍ وإعدادٍ وتنسيقٍ، لتستطيع حماية حقوقها ومواجهة التحديات.
إعادة صياغة ميثاق الجامعة العربية
ومن أجل الوصول إلى ذلك الهدف الاستراتيجي يجب إعادة صياغة ميثاق الجامعة العربية بحيث يتضمن بكل وضوحٍ ما يلي:
احترام خصوصيات كل دولة عربية ، فلكلٍ منها طبيعةٌ وثقافةٌ وعاداتٌ تجري في عروق أبنائها جيلاً بعد جيل.
تلتزم الوسائل الإعلامية لكافة الدول العربية بميثاق شرف يستهدف عدم التعرض لأية دولة منها بالنقد أو بالتشهير لأي سبب من الأسباب.
تلتزم الدول العربية بأن تؤمن بعقيدة راسخة أن أمن أية دولة عربية ، هو أمنها جميعاً ، وأن ما يهددُ أية دولة سواء كان حصاراً أم عملاً عسكرياً ، يعتبر تهديداً للدول العربية جمعاء.
تُكِّلفُ القياداتُ العربيةُ ، أمين عام الجامعة العربية باتخاذ الإجراءات التالية:
دعوة وزراء الدفاع ورؤساء الأركان للقيام بإعداد استراتيجية تهدف لإنشاء حلف دفاعي يضع في اعتباره المسؤولية عن حماية أي قطر عربي يتعرض أمنه للتهديد ، على أن تعرض هذه الاستراتيجية في أول اجتماع قمة عربي لإقرارها واعتماد الآليات التنفيذية لها وتأمين الالتزامات المالية أيضاً.
تكليف وزراء الخارجية لتقييم العلاقات العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية على أساس مواقفها من مصالح الأمة العربية وكيفية وضع أسس مشتركة تجعل الولايات المتحدة تحترم إرادة الأمة وحقوقها على أساس المعاملة بالمثل، واتخاذ ما يتطلب ذلك من وسائل لبناء علاقة متوازنة يحترم كل طرفٍ حقوق الطرف الآخر.
دعوة وزراء الاقتصاد والمالية والنفط لإعداد خطة اقتصادية لبناء علاقة استراتيجية مع أوروبا، وصولاً بها إلى تأسيس شركات مشتركة يتحقق بها مردود اقتصادي لصالح أوروبا والعالم العربي . آخذين بنظر الاعتبار أن العلاقات التاريخية بين العالم العربي وأوروبا وقربهما الجغرافي من بعضهما يحتم إعادة النظر في تعميق العلاقات الاقتصادية لتكون أوروبا الشريك الاستراتيجي للعالم العربي في القرن الواحد والعشرين.
إن انهيار الاتحاد السوفيتي ترتب عليه تاثيرٌ خطيرٌ في الموازين الدولية ، مما أدى إلى تحكم القطب الواحد ومن يتحكم في إدارته وهو العدو الصهيوني الذي يوظف العالم كله في خدمة مصالحه وتحقيق أهدافه. ولكم وقف الاتحاد السوفيتي مواقف تدعم الحق العربي وتساعده على تأمين احتياجاته من السلاح ، فلقد كان الصديق عند الشدة ، واليوم فان روسيا الاتحادية تنظر يكل ترحابٍ إلى الاستثمارات العربية وما يمكن أن يؤدي تزاوج القدرات المالية العربية والإمكانيات العلمية في روسيا إلى تحقيق مصالح مشتركة تضيف للأمة العربية رصيداً قوياً يعينها في أوقات الضرورة.
أمنيات وخواطر مخلصة
تلك أمنيات وخواطر صادقة مخلصة، علها تصل إلى عقولٍ أذِنَ اللهُ لها أن تعي ما يخبئه لها المستقبل ، وقلوبٍ تستوعب مشاعر أبناء الشعب العربي وتتعايش معهم ، ودعائي للبارئ عز وجل أن يجعل قيادات الأمة العربية تدرك بأن الزمن ليس في صالحها، وأن النوايا العدوانية المبيتة تم تنفيذها وفق مخططات تعتمد أساساً على التشتّت العربي وعلى صراع الدول العربية فيما بينها، لتنفيذِ أدوارٍ أقليميةٍ ودوليةٍ تزيد من القدرات المالية المكدسة في وول ستريت في نيويورك أكبر مركز مالي عالمي للصهاينة، وأن تتمكن هذه القيادات من تنفيذ قراراتٍ مضى عليها أكثر من خمسين عاماً وهي مكدسة في الأدراج وكان الله في عون أمتنا.