تشهد موريتانيا في الآونة الأخيرة جدلاً واسعاً حول ضرورة مساءلة الحكومة الحالية عن خروقات تسييرها واستخدامها للميزانيات، قبل السماح لها بالمغادرة أو الاستقالة.
تتزايد الأصوات المطالبة بتحقيق شفاف وشامل حول مصير الميزانيات الضخمة التي أُنفقت في السنوات الأخيرة، وبالأخص ميزانية عام 2023 التي بلغت تريليون وثمانين مليار أوقية قديمة.
لقد أعلن الرئيس المنتخب، محمد ولد الشيخ الغزواني أثناء حملته عن 150 مليار أوقية أُنفقت في ولاية الحوض الشرقي وهو مبلغ ضخم كان من المفترض أن يُترجم إلى مشروعات تنموية عملاقة كالجامعات المتنوعة والمستشفيات ذات التخصصات المختلفة والجسور والطرق السريعة، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذه المشاريع لم ترَ النور على أرض الواقع بسبب نهب ميزانياتها.
يُعد مشروع طريق آمرج - عدل بكرو في ولاية الحوض الشرقي مثالًا واضحًا على الفساد وسوء الإدارة للحكومية الحالية، فرغم طوله البالغ 77 كيلومترًا ومدة التنفيذ المحددة بـ 28 شهرًا، لم يُنجز منه سوى 5 كيلومترات منذ تدشينه عام 2021 من طرف رئيس الحكومة محمد ولد بلال، مما يعكس عجل الحكومة وفشلها في تحقيق الوعود التنموية ويثير تساؤلات حول كفاءة الحكومة في إدارة المشاريع الحيوية.
بدلاً من إنجاز هذه المشاريع، ترددت تقارير عن استخدام هذه الأموال في شراء عقارات فاخرة في لاس بالماس ومدن مغربية وتوركيا وإيطاليا ومدن أخرى ذات أسعار عقارية مرتفعة.
لقد تم اعتقال الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بتهم تتعلق بالفساد وسوء التسيير، وهو أمر يشكل قاسمًا مشتركًا بين الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الخمس الماضية، فقد تم تبديد ميزانيات ضخمة تصل إلى 5400 مليار أوقية، مما يشير إلى حجم الفساد وسوء الإدارة في تلك الفترة، حيث يمثل هذا المبلغ الهائل دليلاً واضحًا على حجم النهب والفساد وفي نفس الوقت دليلا واضحا كافٍ لاعتقال الضالعين في هذا النهب الكبير.
منذ عام 1973، يعاني الشعب الموريتاني من نهب متواصل للثروات والميزانيات دون أن يلمس تحسيناً حقيقياً في الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، حيث يعيش سكان ثماني ولايات، بما فيها ولاية اترارزه، في ظروف مزرية نتيجة تدهور البنية التحتية بسبب الفساد ونهب الحكومات المتعاقبة للميزانيات المخصصة لها، فالطرق الرديئة والمستشفيات المتدهورة والمدارس المتهالكة كلها شهود على هذا الفساد المستشري.
يُطرح تساؤل هام حول دور تسيير النخب في هذا السياق، لماذا لم تقم النخب بدورها في حماية موارد البلاد ومصالح الشعب؟، من الواضح أن النخب لم تقم بما يجب عليها، بل شاركت في نهب الثروات وتوزيعها بشكل غير عادل، مما أدى إلى تدهور الأوضاع في البلاد.
إن مسؤولية الرئيس غزواني تتعاظم في هذه الظرفية مع قرب اختيار حكومة جديدة، فينبغي على الرئيس غزواني -وهو ابن المشيخة والشيخ المربي- أن يُدرك أهمية الدور الذي يُناطُ به في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ البلاد، عليه أن يلتزم بقسمه ويختار بعناية من يسوس شؤون الشعب من بين الأكفاء وأصحاب النزاهة، وليس من بين أولئك الذين جاؤوا على الأخضر واليابس ونهبوا ميزانيات الشعب المغلوب على أمره.
إن مساءلة الحكومة الحالية عن خروقات تسييرها واستخدامها للميزانيات أمر ضروري وملح قبل مغادرتها، فالشعب الموريتاني يستحق معرفة أين ذهبت أمواله وكيف أُنفقت ميزانية 2023 الضخمة.