لقد التبس على بعض العلماء مقاصد الآيات التي أنزلها الله كلها لخير الإنسان ومنفعته ومصلحته الدينية والدنيوية.
كل آيات الذكر الحكيم تدعو إلى المساواة الكاملة بين الناس ذكرًا أو أنثى، ومعنى القوامة التي تحمّل الرجل مسؤولية الأسرة فى الإنفاق على الزوجة والأولاد وتلبية كل متطلباتهم يتفق مع قوله سبحانه: «..وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ..» (البقرة: 228).
لماذا لا تفسر الآية بأن الدرجة ليست تمييزًا على النساء إنما مسؤولية يتحملها الرجل من أجل رعاية الأسرة؟
وضعه في هذه الحالة مثل قائد الفصيلة في الجيش، وهذا يدخل في تحديد المسؤوليات بين الزوج والزوجة.
أما آية السيف فهو تعدّي على سور القرآن ليس كما أنزلها الله، تصنيف سورة السيف هو فكر شرير يدعم النفوس المريضة لقتل الأبرياء وقتال الناس باسم الدعوة للإسلام.
الله سبحانه كلَّف الرسول بالدعوة بالحكمة
بينما الله سبحانه في تكليفه للرسول بحمل أمانة تبليغ خطابه للناس حدد له أسلوب الدعوة في قوله سبحانه: «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ » (النحل: 125).
لم ترد كلمة السيف في القرآن الكريم على الإطلاق، فأراد أعداء الإسلام أن يستحدثوا مصطلحًا لا أصل له ولا نص من القرآن يستندون إليه، فأطلقوا مصطلحًا وهميًا باسم (آية السيف)، مستهدفين قيم الرحمة والعدل والسلام والإحسان وعدم الاعتداء على الناس.
وذلك حتى يشوهوا رسالة الإسلام وقيمها الإنسانية وأهدافها السامية لخير البشر جميعًا، تحقيقًا لنوايا مبيّتة تعمل من أجل أن يبتعد الناس عن الإسلام وأن يهجروا القرآن.
كشف القرآن النفس اليهودية وما فيها من الجشع والغش، وقتلهم الأنبياء، ومحاولاتهم اغتيال الرسول الأمين، وحروبهم معه وتحريض قريش عليه لوأد رسالة الإسلام.
فعلوا ذلك حتى لا تنكشف نواقصهم وحيلهم ومحاولاتهم الرامية لاستعباد الإنسان واستغلال ثروات البشرية، للسيطرة على حكم العالم.
وقد تبنى هذا المصطلح الكثير من المفسرين، وكان ذلك خدمة لأغراض أعداء الدين الدنيئة، ليتحقق لهم تفرق المسلمين وقتال بعضهم بعضًا، منذ موقعة الجمل مرورًا بموقعة صفين واستمرار بحروب العباسيين والأمويين إلى يومنا هذا، حينما نسبوا روايات للرسول على ألسنة الصحابة وأطلقوا عليها (أحاديث) لتكتسب القدسية عند الجهلاء وتكون المرجع الرئيسي للفقه.
الفكر التراثي أنتج الجماعات الإرهابية
وما نراه اليوم من فقه تراثي أنتج فرقًا إجرامية من سلفية وإخوان وإرهاب داعش والقاعدة والتكفيريين والوهابية وغيرها من الفرق الضالة، التي استمدت عقائدها من كتب الصحاح ومن المذاهب الأربعة، حتى أصبح المسلمون أسرى لأفكار مضى عليها مئات السنيين.
أليس الذي أعطاهم العقل والإدراك هو الله الواحد الأحد؟
فالله سبحانه أعطى خلقه القدرة على التفكّر والتدبر والإدراك؛ لمعرفة مقاصد الآيات وحكمة قواعد الأحكام الإلهية في ضبط علاقات البشر فيما بينهم، مبنية على أساس الرحمة والعدل، بعيدة عن الهوى والنوايا السيئة.
أمر الله سبحانه الناس بالتدبر وهو أمر عام لكل البشر وفي كل عصر، فُرض على المسلمين أن يفقهوا كتاب الله ويطبقوا تشريعاته ويطيعوا عظاته ويتمسكوا بأخلاق القرآن، ولا يقتصر التفكير والتدبر على السابقين.
كما أن الصلاة فرض على كل مسلم، فالتدبر في كتابه فرض على جميع المسلمين، ولن يُقبل أن يقوم أحد من الناس بالصلاة نيابة عن أبيه أو أخيه.
ولذلك، لماذا نرهن عقول جيلنا لجيل ذهب ومضى؟
فهل ستنفعنا أعمالهم يوم القيامة أم سيكون الحساب على أساس قوله سبحانه: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» (المدثر: 38).
التبس على المفسرين مقاصد الآيات التي أنزلها الله
ولقد التبس على المفسرين السابقين سواء كانت نية حسنة أم عكس ذلك، التفريق بين القتال وبين الجهاد.
لقد فرض الله القتال للدفاع عن النفس في قوله سبحانه: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (البقرة: 190).
هذه الآية هي حكم عام لكل زمان ومكان، لا تبدّل ولا تعدّل، أخذت بها كل المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية.
أما فيما يتعلق بما ورد فى بعض السور مثل سورة (التوبة) فتلك الآيات ليست دعوة لقتال الناس، ولكنها درس إلهي وتعليم للناس فى أسلوب وتكتيك مواجهة العدو عند الاعتداء.
فرق كبير بين تعليم القتال وأساليبه وبين الأمر بالقتال
والله لا يأمر بقتال الناس بلا مبرر، بل يدعو دائمًا للتراحم بين الناس والتسامح والسلم، ليتحقق الاستقرار ويعيش الناس في سلام وأمان.
وأما الجهاد كذلك تم تحريفه عن معناه الحقيقي، فالجهاد ومراد الآيات الكريمة منه؛ هو مجاهدة النفس على الطاعة والابتعاد عن المحرمات والمظالم والاعتداء وأكل أموال الناس بالباطل، ونشر قيم القرآن السامية والأخلاق الفاضلة، وترويج التسامح بين الناس والإحسان إليهم ودعوتهم بقول التي هي أحسن، كما يقول سبحانه: «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا» (الإسراء: 53).
فالجهاد بالكلمة لشرح رسالة الإسلام وما تدعو إليه من خير وصلاح للناس جميعًا، والجهاد بالمال زكاة ومساعدة للأفراد والمجتمع لتحقيق التكافل بينهم والتعاون، كما أمرنا الله سبحانه بقوله: «..وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ..» (المائدة: 2).
الجهاد في كل طرق الخير وتطبيق القواعد الإلهية وتشريعاته، بإدراك ووعي مستنير وطاعة يتخلى بها الإنسان عن الأهواء ومغريات الحياة.
القرآن يدعو لخير الإنسانية
ولذلك فإذا كان القرآن وآياته الكريمة تدعو لخير الإنسانية جمعاء، فكيف استطاع أهل التراث أن يلوثوا صورته ويشوهوا مقاصده ويلووا معانيه لخدمة أعداء الرحمة والعدل والسلام.
كيف استطاعت تلك النفوس المريضة أن تتحكم في عقولنا مئات السنين، ونرضخ لأقوالهم ونردد خطاب الكراهية ونحرّف معاني الآيات للتشجيع على القتل وإسالة الدماء منذ أربعة عشر قرنً؟
أمَا آن للعرب المسلمين أن يتبينوا أسباب تفرقهم وقتالهم وانتشار الفتن بينهم، وترديد مصطلحات تتنافى مع رسالة الإسلام والافتراء على الله ورسوله بالأكاذيب؟
ولذلك أطالب بإسدال ستارة سوداء على التراث الأسود الذي خلق الفتن ونشر الفحشاء وفرّق الناس، والله يشهد عليهم بقوله: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» (الأنعام: 159)
فماذا فعل بديننا أهل الروايات والفقهاء؟
كيف تآمروا مع أعداء الله وأعداء رسوله؟
لماذا شوهوا صورة الإسلام ودعوة الخير والسلام؟
كيف طوَّعت لهم أنفسهم الافتراء على رسول الله، والله سبحانه قد استنكر ما يروون وما يرددون من أحاديث في قوله مخاطبًا رسوله الأمين: «تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ» (الجاثية : 6)
لقد ظلموا الإسلام واتبعوا أهل الشر- بنو إسرائيل- واجتزؤوا من القرآن آيات حرفوا معناها؛ لتكون شرًا مستطيرًا مستمرًا في عقول أكثر المسلمين، لخلق حالة من العداء بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، يدمرون ما يصل إلى أيديهم ويشردون عشرات الآلاف من المسلمين وغير المسلمين، يسفكون دماء الأبرياء لا يراعون كهلًا ولا طفلًا.
هل ذلك ما يريده المفسرون والفقهاء بما يدعون؟
لماذا لم يروج الفقهاء قيم القرآن السامية
لنرجع إلى كتاب الله وهو يحذرنا سبحانه بقوله: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (فصلت : 53).
لماذا لم يروّج الفقهاء قيم الرحمة والعدل والتعاون والسلام والتسامح وتحريم قتل الأبرياء وتدمير المدن والتكافل بين الناس، ويتبعون سنة الرسول الفعلية التي كانت سيرته تطبيقًا عمليًا لقيم القرآن السامية وأخلاقياته الفاضلة.
ويوم الحساب يقول سبحانه: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)» (الفرقان).
هكذا يشتكي الرسول الكريم قومه بهجرهم للقرآن واتباع فلان ابن علان، ونسوا أمره تعالى للمسلمين بقوله يخاطبهم: «اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ» (الأعراف: 3).
لقد فاتهم أن مقاصد الآيات أشمل وأعمق من إدراكهم، فهي تعنى كيف نمنع السارق من السرقة؛ من خلال جعل الإنسان غير محتاج، وذلك بأن يجد لديه ما يعالج به أبويه، وأن يتوفر لديه قوت أبنائه أو ما يكفي لأن يكمل تعليمهم.
تلك كانت الحكمة من حكم قطع يد السارق، ولا تعني قطع يده من جسمه، إنما تحقيق الاكتفاء الذاتي لأفراد المجتمع وتأمين حاجاتهم الضرورية.
نصاب الزكاة كما ورد في الآيات التي أنزلها الله
ولو اتبع الفقهاء بكل الأمانة نصاب الزكاة، والنسبة الوحيدة التي وردت في القرآن هي الخمس، كما قال سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الأنفال: 41).
لقد حرَّف الفقهاء مقاصد الآية؛ جشعًا وابتغاءً لمرضات السلطان والأغنياء وحددوها ٢/٥ %.
والله سبحانه يحدد فيما يلي مصدر الزكاة بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» (البقرة: 267)
انظر كيف اختزلوا الزكاة واستحدثوا من عند أنفسهم نظامًا لا يحقق الحكمة التي من أجلها فرض الله سبحانه الزكاة، حتى تحقق التكافل الاجتماعي وتختفي مظاهر الفقر والحاجة عند الناس في المجتمعات الإسلامية.
وأضرب مثلًا إذا ربحت البورصة المصرية مليار جنيه في اليوم يتحصل صندوق الزكاة على ٢٠% من الأرباح؛ مما يعني حصوله على ٢٠٠ مليون جنيه في اليوم.
وإذا استمر نفس المعدل في الشهر يتحصل على ستة مليارات جنيه من أرباح البورصة فقط… فما بالك ببقية الأنشطة التجارية والصناعية في الدولة؟
فهل بعد ذلك يبقى فقير أو محتاج يبحث عن غذاء وعلاج وبذل؟
فقول الله سبحانه: «وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)» (المعارج).
مما يعنى بأن الفقراء والمحرومين لديهم حصة في أرباح الأغنياء وشركاء معهم في أرباحهم بعشرين فى المائة.
فهل يا ترى بعد تنفيذ الحكم الإلهي في الأموال لصالح الزكاة سيبقي محتاج تدفعه الحاجة للسرقة؟
ذلك هو المعنى الحقيقي لقطع يد السارق عن السرقة؛ بتأمين حاجته حكمة إلهية لتحقيق استقرار المجتمعات الإنسانية وتقريب المسافة بين الأغنياء والفقراء ليتحقق الأمن والسلم.
فلو استطاع المسلمون المدركين لأهداف رب كريم ورحيم بعباده و مقاصد الآيات ، وسلطوا الضوء على حكمة الخالق وما ترمي إليه الآيات البينات لخير الإنسانية جمعاء، لآمن كل من في الأرض وأسلموا وجههم لله الذي يخاف على عباده عذاب يوم عظيم .