لقد تواصل في هذا العام تراجع مستوى الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، فعلى الصعيد الرسمي لم يتم تنظيم أي نشاط حتى ولو كان تحت إشراف أمين عام أو مدير قطاع بإحدى الوزارات، وعلى مستوى الفعاليات الشعبية التي تطلقها منظمات أو جمعيات مدافعة عن اللغة العربية، فقد لوحظ تراجعا كبيرا لاحتفالات هذا العام إذا ما قورنت باحتفالات العام الماضي، والتي كانت بدورها احتفالات متواضعة جدا.
لقد تم تسجيل احتفال واحد لائق بالمكانة الدستورية للغة العربية، منذ مجيء هذا النظام، وكان ذلك في العام 2010، ففي يوم 18 / 12 من ذلك العام ترأس مولاي ولد محمد لغظف الوزير الأول حينها الأنشطة المخلدة لذلك اليوم، وتعهد في خطابه بالمناسبة بتطوير اللغة العربية، وقد قال يومها بأن موريتانيا ستبقى بلدا ناقص السيادة، ما لم يتم الاعتناء باللغة العربية، وجعلها لغة إدارة وعمل. بعد ذلك الاحتفال الذي أثار جدلا كبيرا، بدأ التمثيل الرسمي المخلد لليوم العالمي للغة العربية يتراجع ويتقلص إلى أن اختفى تماما في العام 2015، فمن وزير أول في العام 2010، إلى وزير، إلى أمين عام لوزارة، إلى مستشار، إلى لا شيء في العام 2015 وكذلك في العام 2018.
هذا عن اليوم اليتيم للغة العربية. أما بالنسبة للغة الفرنسية التي لم يأت لها أي ذكر في الدستور الموريتاني، فإنها لا تخلد بيوم واحد بل بأسبوع كامل حافل بالأنشطة والفعاليات التي يحضرها الوزراء، ففي العام الماضي، وفي الفترة ما بين 17 إلى 25 من شهر مارس تم تنظيم العديد من الأنشطة التي تنافست في رعايتها كبريات المؤسسات "الوطنية"، فتنافست البنوك وعلى رأسها البنك المركزي، وشركات الاتصال، ومؤسسات عمومية وخصوصية عديدة على رعاية على ذلك الأسبوع.
تغيب هذه المؤسسات عن رعاية أي نشاط يدعم لغاتنا الوطنية، فتغيب عن رعاية أي نشاط مخلد لليوم اليتيم للغة العربية، وتغيب عن أنشطة إتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، وعن الاحتفال باليوم الدولي للبقرة ( تظاهرة ثقافية للفلان)، وعن المهرجان السنونكي للمرأة الموريتانية، كما تغيب هذه المؤسسات عن دعم كل الأنشطة ذات الصلة بالمديح النبوي.
لا اهتمام باللغة الرسمية ولا بلغاتنا الوطنية الأخرى لا على المستوى الرسمي، ولا على مستوى القطاع الخاص، ولا يختلف الحال بالنسبة للمعارضة الموريتانية، ويكفي أن نذكر في هذا المجال أن رئيس منسقية المعارضة في نهاية العام 2012 السيد أحمد ولد سيدي باب خاطب جماهير المعارضة في مهرجان شعبي باللغة الفرنسية بدلا من أن يخاطبها بأي لغة من لغاتنا الوطنية. ويمكن أن أذكر أيضا في هذا الصدد أن نواب المعارضة في الجمعية الوطنية الذين طرحوا أسئلة شفهية في كل المواضيع، لا يوجد في سجل أي واحد منهم أنه طرح سؤالا شفهيا واحدا عن تهميش اللغة العربية في الدوائر الرسمية، كما أن نواب المعارضة الذين يتحدثون بلغاتنا الوطنية الأخرى لا يذكر لهم أي جهد في فرض الحديث بلغاتنا الوطنية داخل الجمعية الوطنية بدلا من الحديث بلغة غير دستورية (اللغة الفرنسية). وإن كان هناك أي جهد يمكن أن يذكر في هذا المجال، فسينحصر في أول مداخلة بالبوبلارية في الجمعية الوطنية، في يوم 5 يونيو 2012، وكانت لنائب بوكي السابق سي صمبا، وقد أثارت تلك المداخلة جدلا كبيرا، وصل إلى أن العربي ولد جدين نائب رئيس الجمعية حينها، ورئيس الجلسة طلب من النائب أن يتحدث بالفرنسية بدلا من البولارية !!
بكلمة واحدة، فإنه يمكن القول بأن لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية لا تجد أي اهتمام لا على الصعيد الرسمي، ولا على مستوى المعارضة، وبأنه إذا ترك الأمر للسلطة وللمعارضة التي لها حساباتها السياسية فإن لغاتنا الوطنية ستبقى مهمشة في هذه البلاد.
إن مواجهة هذا التعطيل المستمر للمادة السادسة من الدستور الموريتاني يجب أن يأتي من خارج السلطة والمعارضة، أي أنه يجب أن يأتي من خلال إطلاق حملة شعبية واسعة تعمل على تفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، ووقف الإساءة إلى هذه المادة، ويمكن أن يتم ذلك من خلال ثلاث خطوات متكاملة :
الخطوة الأولى :
رصد كل عمليات الإساءة التي تتعرض لها هذه المادة، وسواء كانت تلك الإساءات قد جاءت من جهات رسمية أو مدنية أو من مؤسسات أو أشركات أو حتى من أشخاص عاديين. ومن الأمثلة على الإساءات التي يمكن رصدها :
ـ تعميم من وزارة الصحة بسحب أربعة أدوية من الصيدليات، وتم إصدار هذا التعميم باللغة الفرنسية فقط.
ـ عقوبة ضد عامل في اسنيم لأنه رد على استفسار كان قد وجه إليه باللغة الرسمية لسنيم (اللغة الفرنسية)، رد عليه بلغة أجنبية (اللغة العربية)، فكان أن وجهت إليه عقوبة لرده المسيء !!!!.
ـ تلخيص للعريضة المطلبية التي قدمتها ثلاث نقابات عمالية إلي الإداري العام لشركة اسنيم...هذه العريضة الموقعة من طرف ممثلي النقابات وممثل اسنيم كانت باللغة الفرنسية فقط.
ـ تعميم من الأرصاد الجوية في شهر سبتمبر الماضي يحذر المواطنين من أمطار مصحوبة برياح شديدة كان باللغة الفرنسية فقط.
الخطوة الثانية :
الاتصال الفوري بالجهة التي خالفت نص المادة السادسة من الدستور الموريتاني ومطالبتها بالاعتذار وبالتصحيح الفوري للخطأ الذي تم ارتكابه. يؤكد أهل الاختصاص بأن كل القرارات الإدارية الصادرة باللغة الفرنسية هي قرارات معرضة قانونا للإلغاء لحجج قانونية عديدة يتعذر بسطها في هذا المقام.
الخطوة الثالثة :
في حالة تم رفض تصحيح الخطأ من طرف الجهة التي ارتكبت ذلك الخطأ، فإنه يمكن لهذه الحملة الشعبية أن تلجأ إلى القانون، وأن تستخدم في الوقت نفسه كل وسائل الضغط المشروعة للتراجع عن ذلك الخطأ أو تلك الإساءة، وبما في ذلك الدعوة إلى المقاطعة الشعبية للجهة المصرة على عدم التراجع عن الإساءة.
إن بقاء الحال على ما هو عليه ليس في صالح لغتنا الرسمية ولا في صالح لغاتنا الوطنية الأخرى، وإن الاكتفاء بفعاليات تخلد اليوم العالمي للغة العربية، وهي فعاليات تسيء بسبب تواضعها إلى اللغة العربية بدلا من أن تعلي من مكانة هذه اللغة. إن الاكتفاء بتخليد ذلك اليوم لن يعيد الاعتبار للغة العربية في الدوائر الرسمية، وإن الحل يكمن ـ حسب زوجهة نظري ـ في إطلاق حملة شعبية مستمرة على طول العام، وتعمل من أجل تفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني وإعادة الاعتبار لها.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل