ان غياب معالجات ناجعة للحراكات المطلبية لمثقفي وشباب اخواننا المنحدرين من الضفة منتصف واواخر الثمانينات من القرن الماضي ومواجهتها بمقاربات أمنية محضة كانت السبب الرئيسي لما عرفته البلاد من التوتر والاضرابات التي الت الي انتهاكات حقوق الانسان وتصفية الحسابات واعمال العنف التي كادت تدخل البلاد في حرب أهلية لا يمكن توقع نتائجها.كما أن أحداث 1989 أشعلت فتيل الاعمال المؤلمة التي هددت وجود البلاد وكادت تقوض العلاقة مع دولة السينغال الشقيقة والجارة.
فإذا كانت تلك الأحداث جرت علي خلفية المشكل القومي فإنه مع فارق في السياق نجد انفسنا اليوم أمام مشكل اجتماعي لا يقل في نفس الوقت اهمية وخطورة عن المشكل القومي حيث تتعالي أصوات أبناء وبنات الفيئات والشرائح الاجتماعية التي تعاني اما من الاقصاء والتهميش البنيويين الموروثين عن التراتبية المجتمعية التقليدية وأما الغبن الناتج عن غياب او فشل سياسات الاندماج الوطني والتكفل باحتياجات المهمشين والمغبونين من أبناء شعبنا.
ان من اسباب انتشار الخطابات الفئوية والشرائحية هو غياب مقاربات جدية لاستئصال اسبابها المرتبطة بظروف وجود مكونات بعينها وإصرار القوي التقليدية ان تكرس لها الدولة الامتيازات التي كانت تحظي بها في المجتمع التقليدي مع العلم انه حبذا لوكان ماتبقي من تلك القوي يقوم علي الاقل بادوار شبيهة بتلك التي كان يطلع بها اسلافها من حيث ( اجهير: توفير المياه، البواه: البحث عن المرعي،لمنيح: إعارة الأبقار والنوق الحلوبة للفقراء، الكيمار: توفير لحوم الوحش للحي، المدار واللوح :تحمل ما يترتب علي المجموعة القبلية من بذل المال .....الخ).
ان ماتبقي من القوي التقليدية يعمل جاهدا لإحياء النفس والروح القبلية وقيم القيادة التقليدية المبنية اما علي النسب اوخدمة المستعمر الفرنسي حتي تظل الامتيازات في الدولة موزعة بين افراد الطبقة و الأسرة الواحدة ويكون بالنسبة لهم ذلك هو الطبيعي.وهل هو كذلك مع انه علي حساب الاغلبية العظمي من أبناء البلد؟
كذلك يعمل افراد هذه القوي بالاضافة الي الحصول علي الأراضي في الماركز الحضرية والصالحة للزراعة في الريف وأنواع الرخص والصفقات يعملون علي التفرد بكل اشكال التمثيل في الحياة السياسية والمدينة( الحكومة،الترشحات للبرلمان، المجتمع المدني،منظمات الشباب والنساء الائمة...الخ)ولا يتم تمثيل الفيئات الاخري الا بالارادة السياسية للنظام حتي تعكس الصور علي جميع المستويات التنوع الاجتماعي والوطني.
ان استمرار هذه الحالة وعدم معالجتها من خلال العمل علي ارساء قواعد دولة القانون والعدل التي باتت مطلب الجميع فهي وحدها المخرج لتفادي انتشار التطرف والكراهية وما يحملان من خطر علي الوحدة الوطنية حتي لايهدد المشكل الاجتماعي وجود البلاد كما هددها المشكل القومي.