ان كل الواعيين بالمشكل الاجتماعي وما تنتهي اليه معالجته اما الايحابية التي تفضي الي الوحدة والانسحام والتضامن الوطني واللحمة الاجتماعية في إطار دولة العدل والقانون واما الابقاء علي حالات الغبن والاقصاء والتهميش الذي تكتوي بناره اغلبية فيئات الشعب يتحملون مسؤولية جسيمة وتاريخية اتجاه المجتمع.
فالتراتبية التقليدية و فشل او غياب سياسات الاندماج و التكفل بالمحتاجين وضحايا الفقر والتهميش بصرف النظر عن انتمائهم العرقي او الشرائحي هي السبب في استفحال انعكاسات المشكل الاجتماعي .
ان من يتناول هذا الموضوع من منظور وطني يحافظ علي وحدة كل المكونات العرقية و الاجتماعية يلزمه البحث بجدية عن الحلول التي تجنب البلاد انتشار التطرف والكراهية وكل النزعات الخصوصية الهدامة التي تهيء الاعراق والشرائح للجفاء والصدام والمواجهات التي لا تحمد عقباها.
لذلك مازال المتشبثون بالمقاربة الوطنية الشاملة بعيدا عن النزعة الشرائحية يتأرجحون بين مقاربتي المحاصصة و التمييز الايجابي.
لا اريد في هذا المقال ان اتوقف عند التعريف والحفر الاكادميين لمفهومي المحاصصة والتمييز الايجابي بل ان معالجتي لهذين المفهومين وتطبيقاتهما في الواقع ستتحدد بها المعاني والدلالات التي اقصد بهما.
ان الفيئات الاجتماعية التي مازالت تعاني من الاقصاء و الغبن و الطامحة للمشاركة في الحياة العامة سواء في القطاع العام او الخاص ليس لها من سبيل للحصول علبها الا من باب اما المحاصصة واما التميز الايجابي.
لقد تعالت أصوات كثيرة تطالب بانصاف أبناء وبنات تلك الشرائح وظل تشكيل الحكومات والمراسيم الرئاسية المتعلقة بالتعيينات وبيانات مجالس الوزراء مناسبات يعبر فيها هؤلاء عن امتعاضهم من مستوي حضورهم في الحكومات والادارات المركزية في الوزارات وادارات المؤسسات والبعثات الدبلوماسية معتبرين انه كلما تطلعوا الي الترقية بمقتضي التمثيل او التجربة او الكفاءة العلمية كلما لاحظو انهم في الواقع مواطنون من درجة ثانية.
ويتجاوز هذا الشعور انتمائهم للموالاة او للمعارضةولهذا الحزب اوذاك..
فكلما حدثك أحدهم فإذا به يشكو علي حد قوله من التهميش او الاقصاء وكثرا ما يطلعك كل واحد منهم علي قصته الخاصة التي هي قصة ظلم لانه تم تفضيل شخص آخر لهذا الموقع اوذاك رغم احقيته من حيث اما الاقدمية واما الكفاءة.
ان هذا الجانب من المشكل الاجتماعي اذا ما انضاف الي جوانب اخري قد تناولتها في مقال اخر قد يتسبب الاستياء منها الي عواقب غير محسوبة بالنسبة للتضامن الوطني واللحمة الاجتماعية.
وتجدر الإشارة ان الامر لايتعلق بشريحة او فيئة اجتماعية بعينها وإنما يتعلق بكل الفيئات والمكونات الوطنية.فتجد من يشكو من التهميش الذي تسبب فيه أبناء عمومته او قبيلته المتنفذين وكذلك من يبحث عن شغل بسيط او المشاركة في مسابقة لايجد من اقرب المقربين من يساعده.
و لا يجد الكثيرون من مبرر لغبنهم واقصائهم سوي انهم ينتمون الي هذا العرق اوهذه الفئة او هذه الطائفة السياسية، أوان لونهم هذا اوانهم ليسوا أصحاب حظوة اونفوذ في مجموعتهم القبلية .
اذا كان ما اوردنا يتعلق بالقطاع العام فمابالك بالقطاع الخاص الذي رغم السياسات والاستراتجيات المنجزة من قبل الحكومة والقاضية بقدرته علي استعاب وتوفير الكثير من فرص العمل، لايمكننا مع ذلك
ان نجد إحصائيات دقيقة عن مستوي اسهام القطاع الخاص في التشغيل.
و ما يوفره هذا القطاع من فرص للعمل يبقي في حدود العلاقات الأسرية والقبيلة لرب العمل.
ضف الي ذلك ان أبناء تلك الفيئات لم يحصلوا علي ماتوفر لغيرهم طوال العقود الماضية من التسهيلات المتمثلة في الرخص والقروض والمنح والعقود والصفقات التي باتت مصدرا للثورة.
قد يتبادر الي القارئ مما سلف انني ادعو للمحاصصة،فانا بعيد كل البعد عن ذلك لسببين رئيسيين:
اولا ان في المحاصصة تهميش وتغافل عن الترقية الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية للشرائح والفئات المهمشة وانها في الواقع مطلب المتعلمين والاطر الطامحين للترقية السياسية والإدارية.
اذا كان ذاك الطموح مشروعا فإنه لاينبغي ان يغطي علي الطموح الوطني الذي يكتسي طابعا استراتجيا يتمثل في انتشال اعداد كثيرة من ابناء شعبنا من حالة الاقصاء والغبن.فيتعين علي كل فاعلي المجموعة الوطنية العمل علي إلحاق تلك الفئات بمستوى مثيلاتها بحيث يخدم المجهود التنموي بالتساوي كل أطياف المجتمع وتستفيد الاجيال الصاعدة من الريع الوطني وتتقلص تدريجيا الفوارق وتتعزز اللحمة الاجتماعية.
ثانيا نحن في غني عن المحاصصة العرقية اوالشرائحية خاصة أذا وضعنا جانبا الزبونية والمحسوبية او ارادة طائفة اوطبقة السيطرة علي مفاصل وامتيازات الدولة .فلا يمكن لأي بلد ان ينهض الا بكفاءات أبنائه.
ومنذ الكثير من الوقت أصبحت الكفاءات تتوفر في كل مكوناتنا الوطنية العرقية والاجتماعية، وإذا مارعي معيار الكفاءة العلمية او التجربة اوغيرهما فهي موجودة لدي الجميع و بالتالي لا ينبغي ان تنفرد مكونة بالامتيازات دون الاخريات.
وخلافا للمحاصصة التي هي في الأصل مطلب للشرائحيين الذين يختزلون المشكل الاجتماعي في التمثيل الذي يخدمهم يجب ان يحل محلها العدل بين كل المكونات و ذلك حرصا علي ان لا تتحول الدولة الي كعكة تتقاسمها الاعراق والشرائح علي حساب الكفاءة التي تتوقف عليها التنمية الشاملة بكل ابعادها.
وحتي تترسخ روح الانتماء الي مجموعة وطنية موحدة، فإن مظاهر الغبن والاقصاء والهشاشة التي تتوسع بها الهوة بين المتضررين من الفقر والجهل والتخلف والطبقة النافذة الميسورة لا يمكن مواجهتها الا بالتمييز الايحابي. لكن حتي لايكون قاعدة دائمة ينبغي اعتماده مرحليا وفي مجالات محددة حتي يخرج المستهدفون من أوضاعهم ويلتحقون قدر الامكان ببقية مكونات المجتمع.
يتعلق الامر بكل مايرتبط بالتنمية القاعدية في مجالات البنية التحية والأنشطة المدرة للدخل في النشاطات الزراعية التجارية والرعوية،بالتعليم الأصلي والمعاصر بالتكوين المهني والتشغيل بالصناعة التقليدبة والانتاج الثقافي والفني والفلكلور الشعبي ،بشتي الخدمات وخاصة الصحية،بحماية البئة والمحيط الطبيعي، والمشاركة السياسية والتسيير المحلي.
كذلك و من أجل إتاحة فرص الاستثمار لابناء الفيئات الهشة والمغبونة وارتقاءها علي الاقل الي صف الطبقة المتوسطة ينبغي منحهم التسهيلات التي استفاد منها الاخرون كالقروض والرخص والصفقات فمثل هذه التسهيلات تدخل كذلك في إطار التمييز الايجابي.
اذا كانت مطالبة الاطر وحملة الشهادات من باب المحاصصة
للولوج الي المناصب السياسية والإدارية مشروعة ومطلوبة فإنها ليست البعد الرئيسي و الوسيلة الوحيدة لترقية حقيقية للشرائح والفيئات المغبونة فيبقي التمييز الايجابي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والنفسية هو الطريق الامثل للخروج من الاقصاء والغبن والهشاشة و هو الذي يخدم في نهاية المطاف وحدة و اندماج ولحمة المجتمع الموريتاني.