لقد أنزل الله مجموعة من الأحكام تنظم العلاقة بين الإنسان وربه في فروض العبادات وأحكامها ومقاصدها وحكمتها، كما أن التشريعات الإلهية في الآيات القرآنية تنظم العلاقات الأسرية والاجتماعية والإنسانية أساسها الرحمة والعدل والمساواة، كما أمر الله الناس سبحانه في أمره لهم فيما يتعلق بالأحكام قوله بما نطق رسوله عن ربه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء: ٥٨).
وقال سبحانه وتعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ) (يوسف: ٤٠)، فالأحكام التي وردت في آيات القرآن الحكيم هي أحكام إلهية تتوافق ما يحقق للإنسان الأمن والطمأنينة والسكينة في حياته إذا تم تطبيق شرعة الله ومنهاجه وضمن حقه وحمايته من الإعتداء عليه أو على ممتلكاته أو الإساءة إليه باللفظ والعمل، يتحقق له السلام في سكنه ووطنه وعمله دون منازع ولا ظلم ولا طغيان.
فكل تلك المنغصات التي يواجهها الإنسان وضع الله لها القواعد التشريعية حتى يأمن الإنسان على نفسه وأسرته وقوته وممتلكاته، فلا يجروء من يعتدي عليه أو يظلمه أو يخطئ في حقه بأي شكل من الأشكال وفي مقدمة حقوقه حريته المطلقة في إختيار دينه ومذهبه وملته بشرط عدم الإعتداء على الناس والإضرار بهم أو إستباحة حقوقهم، ولو تحقق تطبيق التشريع الإلهي في مجتمع المسلمين لن تجد مظلوماً ولا بغياً أو طغيان على الآخرين وستجد كل الناس يعيشون في جنة على الأرض تملؤها الرحمة والتعاون على البر والتقوى والإحسان والعدل والمساواة، فلا كبرياء ولا تمييز بين الناس، الكل ترى على وجهه إبتسامة الرضى والسعادة والكل يحيا في أمن وسلام.
أما المجرمين الذين زوروا مقاصد الأحكام الإلهية وألفوا مع شياطينهم تشريعات إجرامية تستبيح حقوق الناس بسفك دمائهم يتربصون بالأبرياء بمصطلح الإستحلال، تشريع شيطاني يبيح لمجموعة من الخارجين على الإسلام والرسالات الإلهية استباحت أرواح الناس ونهب ممتلكاتهم وسفك دماء الأبرياء لسرقة أموالهم وإستغلالهم وظفوا بعض الآيات في غير مقاصدها الخيرة إلى تشريعات شريرة لا تراعي أحكام الله ولا تتورع من سبي النساء واستحلال بناتهم مخالفين شريعة الله ونواهيه (كالخوارج والقرامطة والإخوان وجند الشام والقاعدة)، وغيرهم الذين استخدموا الحاكمية التي اختص بها الله وحده في تشريعاته في الكتاب المبين لتصديق الإيمان بعقائد فاسدة، وأخفوا حقيقة الحكمة الإلهية ومقاصد الآيات لخير الناس جميعاً إلى تشريعات تبرر أعمالهم الإجرامية والشيطانية، فأصبحت تلك التشريعات التي زوروا مقاصدها وصدَّقها الجهلاء وخلقت في المجتمعات المسلمة الفزع والخوف وعدم الأمان.
فكم من الجهد والعمل المخلص يحتاج الموروث عند المسلمين من نفايات الماضي الفكرية والتشريعية، إلى السريرة التي تسرها الدماء المسفوكة والعذاب الذي يلاقيه المسلم وغيره من التشفي والسعادة حينما يسمع بكاء المعذبين وصراخهم، فتستمتع بها نفوس مريضة شقية كتب الله عليهم الذل والعذاب والمطاردة في الدنيا والعقاب يوم الحساب!
فمن هم الذين خالفوا أمر الله سبحانه ولم يحكموا بما أنزل الله وحكم الله عليهم بأنهم الكافرون؟
أليسوا الذين ألَّفوا الأحكام من أفكارهم وما سولت لهم أنفسهم ووضعوا تشريعات تخالف ما أنزله الله في آيات القرآن ممن أسموهم بالعلماء والفقهاء، الذين أسسوا أحكامهم مستندين إلى الروايات والإسرائيليات والتفسيرات وفتاوي شيوخ الدين، منصرفين عن الاعتماد على التشريع الإلهي في القرآن الكريم، فجاءت أحكامهم ضد العدالة والرحمة والإحسان والتحقق من اتفاق تشريعاتهم تتوافق مع التشريع الإلهي، فاتخذوا تشريعاتهم وسيلة تخدم مصالحهم وتحقق لهم ما يتوافق مع النفس الأمَّارة بالسوء؛ فوضعوا مبدأ الحاكمية ليكونوا هم مصدر التشريع والأحكام للمسلمين بدلاً من أن يكون الحكم لله وحده الذي وضع القواعد التشريعية لتحقيق العدالة بين الناس.
ولكن المشرِّعين المسلمين وضعوا تشريعاتهم لما يتوافق مع الهوى ونفوسهم المريضة التي تسعى للانتقام وسفك الدماء، ممن لا يتبع مذاهبهم ويرفض أن يكون من حزبهم؛ فيعتدون على تشريع الله ويضعون قواعداً تشريعية تحقق أهدافهم ثم يدَّعون بأنها تشريع الله، في الوقت الذي يخالفون ما أنزل الله ولم يحكموا به فيقعون تحت ما وصفهم الله سبحانه في قوله: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة: ٤٤).