رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، بحاجةٍ ماسّةٍ إلى ترميم شخصيته العسكريّة بأنّه “سيّد الأمن” في كيان الاحتلال، بعد الهزيمة النكراء في حرب الـ48 ساعة ضدّ المُقاومة الفلسطينيّة، وبالتالي عشية الانتخابات العامّة التي ستجري في الدولة العبريّة في التاسع من شهر نيسان (أبريل) القادِم، تُحتّم عليه، بصفته وزير الأمن أيضًا، أنْ يقوم بمُغامرةٍ عسكريّةٍ، حتى لو كانت محدودةً، من أجل الوصول إلى هدفه، بكلماتٍ أخرى، الرجل، المُتورّط في قضايا الفساد والرشاوى وخيانة الأمانة، يعمل على تصدير أزماته الداخليّة عن طريق استخدام جيش الاحتلال لتحقيق مآربه السياسيّة الداخليّة، وبناءً على ذلك، من هذه النقطة يُمكِن “تفسير” قيام سلاح الجوّ الإسرائيليّ الليلة الماضية بتنفيذ ضربةٍ عسكريّةٍ بالقرب من مطار دمشق الدوليّ في سوريّة، ولكن بحسب المُحلّل السياسيّ في التلفزيون العبريّ، يارون ديكيل، فإنّ هذا لا يُجديه نفعًا، ذلك لأنّ الموضوع المفصليّ والرئيسيّ في الانتخابات القادمة سيكون واحدًا ومُوحّدًا: فساد رئيس الوزراء! وهل يُريد الإسرائيليون انتخاب السياسيّ المُخضرم، الذي قد تُقدّم ضدّه عدّة لوائح اتهامٍ إلى المحكمة وينتهي سياسيًا في إحدى السجون الإسرائيليّة، كسلفه إيهود أولمرت، وبالتالي، لا نُجافي الحقيقة إذا جزمنا بأنّ العملية العسكريّة في سوريّة لن تشفع له ولن تُخرِجه من ورطاته الداخليّة، لأنّ الأمر بات مكشوفًا.
وجريًا على العادة الإسرائيليّة الممجوجة، فقد تدّخلت الرقابة العسكريّة في تل أبيب، ومنعت وسائل الإعلام العبريّة من النشر حول العمليّة، علمًا أنّ إسرائيل لم تعترِف بمسؤوليتها عن الضربة، واكتفت باقتباس وسائل الإعلام العربيّة-السوريّة الرسميّة، وهذا الأمر بحدّ ذاته يُثير العديد من علامات الاستفهام والتساؤل، ولكن اللافِت جدًا أنّ الرقابة العسكريّة عينها، التي تعمل وفق أنظمة الطوارئ، التي ورثها الكيان من الانتداب البريطانيّ، اضطرت للإقرار بأنّ صاروخًا سوريًا، دون أنْ تكشِف عن طرازه، تمّ إسقاطه بالقرب من مدينة حيفا، بكلماتٍ أخرى، يُمكِن القول والجزم أيضًا أنّ منظومات الدفاع الإسرائيليّة من “القبّة الحديديّة” إلى “الصولجان السحريّ” وما إلى ذلك من منظوماتٍ أخرى، تمّ إنتاجها بمُساعدةٍ أمريكيّةٍ، فشلت فشلاً مُدويًّا في اعتراض الصاروخ السوريّ بالقرب من الحدود، وهذا الأمر يدفع إلى التساؤل: كيف لهذه المنظومات، التي تتباهى وتتفاخر بها إسرائيل أنْ تُدافِع عن الجبهة الداخليّة في حال نشوب مُواجهةٍ عسكريّةٍ بين الكيان وحزب الله؟ إذْ أنّه وفق التقديرات الإسرائيليّة الرسميّة فإنّ حزب الله، الذي يمتلك أكثر من 150 ألف صاروخٍ قادرٌ على إطلاق ثلاثة آلاف صاروخ في اليوم الواحِد، وعليه، نميل إلى الترجيح بأنّ وصول الصاروخ السوريّ إلى منطقة حيفا أشعل الأضواء الحمراء في مكاتب صُنّاع القرار من المُستويين الأمنيّ والسياسيّ، لأنّه ليس حادثًا عَرَضيًا، بل فشلاً إستراتيجيًا بامتيازٍ.
وكما تفعل تل أبيب دائمًا لتمرير روايتها فإنّها تلجأ إلى وسائل الإعلام الغربيّة التي “تشتري” المعلومات الإسرائيليّة بتلقفٍ كبيرٍ، ولم يَكُن غريبًا بالمرّة أنْ يقوم ضابط رفيع المُستوى في جيش الاحتلال بالـ”كشف” عن معلوماتٍ جديدةٍ حول العملية لمجلّة (نيوزويك) الأمريكيّة، كما أفاد صباح اليوم الأربعاء الموقع الالكترونيّ لصحيفة (هآرتس). ووفقًا لمزاعمه فإنّه خلال العملية الليلة الماضية، والتي تمّت من الأراضي اللبنانيّة، قُتل عددٌ من قيادات حزب الله اللبنانيّ قبل دقائق من صعودهم إلى الطائرة، التي كانت ستقلّهم إلى العاصمة الإيرانيّة، طهران. وتابع المصدر العسكريّ الإسرائيليّ، الذي لم تُكشَف هويته ولا رتبته، تابع قائلاً إنّه من بين أهداف العملية الهجوميّة كانت مخازن للأسلحة الإيرانيّة، والتي احتوت على أسلحةٍ مُوجهّةٍ ومتقدّمةٍ ومًتطورّةٍ جدًا، وهي من أدّق الأسلحة التي عملت إيران على تزويدها لحزب الله، بحسب مزاعمه.
بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، كان رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، قد أكّد (23.12.18) على أنّ إسرائيل ستُواصِل عملياتها ضد التموضع الإيرانيّ في سوريّة. وقال نتنياهو، في تغريدة على “تويتر”: القرار حول إخراج ألفي جنديّ أمريكيّ من سوريّة لن يُغيّر سياستنا المتواصلة: سنُواصِل العمل ضدّ المحاولة الإيرانية للتموضع عسكريًا في سوريّة، وعند الحاجة سنقوم بتوسيع رقعة عملياتنا هناك. وأضاف نتنياهو: تعاوننا مع الولايات المتحدة مستمرٌ بكلّ قوّةٍ في العديد من المجالات، على الصعيدين العملياتي والاستخباراتي وفي مجالاتٍ أمنيّةٍ أخرى.
وتدعم تغريدة رئيس الوزراء الإسرائيلي، ما أعلن عنه الخميس الماضي، بأنّ إسرائيل ستستمِّر بالعمل في سوريّة لمنع إيران من ترسيخ وجودها هناك. وقال نتنياهو في مؤتمر صحافي، الخميس الماضي: ستُواصِل إسرائيل العمل في سوريّة لمنع إيران من إقامة قواعد عسكريّةٍ ضدّنا هناك، ولن نُخفف من جهودنا بل نزيدها، وفق تعبيره.