بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
أفلحت وجوهكم، وحُمد سعيكم، وطابت أيامكم ولياليكم.. لكن بالله عليكم ارفعوا أيديكم عن موريتانيا.. فقد شبت عن الطوق!
ألا ترون ما ذا حدث في وطنكم عبر الحقب؟
لقد "تغيرت الأحوال وانقلب الدهر":
- ولت (غير مأسوف عليها) أزمن الثمانينات والتسعينات وصَدْرُ وظُهْر العشرية الأولى من الألفين إلى غير رجعة؛ وبلغ مواليد الثمانينات أشدهم، وناهز التسعينيون الثلاثين، وبلغ أبناء الألفين سن الرشد! وتصدروا كلهم المشهد الوطني فأصبحوا هم أصحاب الحق والكلمة العليا... خلافا لما كان عليه الحال أمس حين كنتم أنتم الأعلون!
- ومشارق الوطن ومغاربه أصبحت متاحة للجميع خلال يوم واحد: تمتد بينها السبل السالكة، وتغذيها أنابيب الماء وأعمدة الكهرباء ومنصات شبكات الاتصال، ولا يربط الخَلَوي قراها ومدنها بعضها ببعض فحسب؛ بل ويصلها مباشرة بالعالم أجمع عن طريق الشبكة العنكبوتية! الأمر الذي كان ضربا من الخيال من قبلُ!
- وعمت النهضة الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية والثقافية جميع أرجاء وطننا الذي أصبح مصانع ومزارع ومستشفيات وجامعات ومعاهد ومطارات وموانئ وطرقا.. إلخ. ولم نعد نرزح تحت وطأة التخلف والفقر والبؤس والهدر مثلما كنا بالأمس!
- وجيشنا الوطني صار مؤسسة قوية مرهوبة بعددها وعتادها، تحمي الوطن وتؤمن الشعب، وتنشر السلم، بعد أن ظلت أرضنا ردحا من الزمن مرتعا للإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة، ونهبا لجميع العابثين.
- ولدينا نظام سياسي مستقر تأسس على عقد اجتماعي أمثل أفرزته نضالاتنا ومناظراتنا وحواراتنا المتكررة، يكرس الديمقراطية ويضمن تداول السلطة بالوسائل السلمية، ويفتح الأبواب على مصاريعها؛ مغيرا قواعد العمل السياسي تغييرا جذريا: لا سجناء رأي، ولا قيود على جميع الحريات، وحالة مدنية سليمة، ولجنة انتخابية مستقلة، وسلطة من خيارنا، تحترم نفسها، وتحترم شعبها، وتعرف ما تريد وما نريد.
وفي وضع جديد كهذا، هل من المعقول أو المأمول أن تنجح الأساليب البالية التي كانت متاحة وفعالة في وضع بائس بائد، في إعادة عجلة تاريخ أمة حية ناهضة إلى الوراء، والنكوص بها إلى درك البؤس والتخلف والطغيان؟
كلا طبعا!
فالقوى الوطنية التي حمت روح ومبادئ حركة 3 أغسطس 2005 وفرضت التغيير والإصلاح طيلة هذا العهد الميمون، وهزمت جميع محاولات الردة والنكوص. هذه القوى قد اتسع عددها، وقويت شوكتها، وصلب عودها، وما زالت تقف لأعداء التقدم بالمرصاد، وهي قادرة اليوم أكثر من أي وقت مضى على هزيمتهم ودحرهم من جديد.
أنا أعلم علم اليقين أن من بين سعاة المطالبة بخرق الدستور والفوضى أناسا حسني النيات التبس عليهم الحق بالباطل، وهم معذورون في تشبثهم بالرجل الذي أنقذ الوطن وبناه وعمره وسما به إلى مصاف الأمم العزيزة!
لكن لا شك أيضا أن هنالك مصالح وأطماعا يستحيل نموها والحفاظ عليها في جو وطني إصلاحي وطبيعي شفاف. ومن طبيعة أصحاب هذه المصالح عبر التاريخ الانقلاب الدائم على الدستور وعلى المجتمع، والعمل على صنع هبل يحميها ويدير ظهره للمستقبل مهما كلف ذلك وطنهم وشعبهم من ثمن!
ولكن هيهات!
فالرئيس محمد ولد عبد العزيز رجل حازم وقوي الإرادة، وقد اتخذ قراره النهائي منذ أمد بعيد، حين أعلن على رؤوس الأشهاد في قصر المؤتمرات أنه لن يحنث، ولن يخرق الدستور، ولن يغير مواده التي تحدد عدد المأموريات، ولن يترشح لمأمورية ثالثة! وأنه سيظل حاضرا في المشهد السياسي الوطني والدولي يصون الاستقلال والدستور، ويكرس الديمقراطية والتناوب في البلاد، ويحمي مسيرة الإصلاح والبناء والتقدم من كيد العابثين والطامعين والمفسدين!
لقد قرر هذا الرجل دخول التاريخ الوطني والعالمي من أوسع أبوابه. فلما ذا نوسوس له ونحاول ثنيه عن المجد وجعله مجرد دمية في أيدينا نصرفها كيف نشاء؟
أطرنا الكرام، أو ترضون لرئيسنا الهوان، ولوطننا الكفر بعد الإيمان، والانزلاق في متاهات الفتن والفوضى، بعد أن أنعم الله عليه بالوحدة والأمن والازدهار؟