
عرفت اسم ولد حمادي أول مرة منذ فترة في إحدى مجموعات الأدب حيث كان ينثر درره النفيسة بين الفينة والأخرى،فما فتئ يبهرني في كل طلعة من طلعاته، محمد محمود أديب مقيم في الصين يحمل روح الأدباء الكبار فيه شيء من رقة أربان ولد أعمر وشيء من ظرافة ولد احمد يوره ، تتميز نصوصه بالطابع الغزلي الوجداني الذي يمزج فيه بين الرقة وسعة الخيال، لا يتقيد بنمطية لمغنيين ولا ينتمي للاتحاد العالمي للأدباء الحسانيين ولا يجلس في مجالس أزوان على الشاشة الثقافية منشدا من اكلال لبير على إيقاع لبياظ ومن امات لبتيت على إيقاع بيگي عظال ، ولا يتواجد على كراسي لجان التحكيم أمامه ورقة وقلم يقسم التقييمات بعجرفة ويطلق النكات السمجة ، وإن كانت نصوصه المطبوعة بالكلاسيكية والطابع الزُمني حاضرة لا تغيب، ويمكن وصفها بأنها نصوص لا تشبه صاحبها؛ الذي يغترب في حضارة كونفوشيوس حيث السرعة والتقدم، يلبس سمارت كاجوال بعيدا عن "الفرگان" و"الگمرة" فالقمر هناك يكاد يبدو وسط الأضواء الملونة وأعمدة الإنارة المصلوبة، ولعلك تلاحظ ما يمكن أن يسمى بالمفارقة الزمنية أو التغرب الزمني الحاضر في أبرز وأشهر مقطوعاته طلعة "ذاك الحد التعرف.." التي حضر فيها الزمان والمكان جانب درامية المشهد :
ذاكْ الْحَدْ الْتَعْرَفْ فازْمانْ *** كنتْ اتراهْ اللِّيلُ عِمانْ
گبْلِتْ لِفْريگ اعْلَ جحْدانْ *** فَوْگ ازْويرَه حاكمْ بَلُّ
واشْماذَ ينْشِدْلَكْ گفانْ *** و ارْدَيْداتُو ما يمْتلُّ
ؤكنت امْنَيْنْ اتْراهْ افْمِعادْ *** تَفْرَحْ واعْروگكْ يبْتَلُّ
عادْ ابْبَلُّ يَخَيْ ؤ عادْ *** بَامْناتُو ثِنْتَيْنْ ؤ وِلُّو!
كتب محمد محمود ولد حمادي معلقا ومنوها على طلعته هذه التي ذاع صيتها ونسبت لسابق ميلادها
"لقد مرت عشر سنوات على خروج هذه الطلعة للوجود، وهو تاريخ قديم نسبيا إلا أنه ليس قديما بالمعنى المتداول عند أهل لغن، بمعنى أن النص كُتب أو "قيل" قبل قرن أو قرنين.
لذلك أغتنم هذه الفرصة للتذكير أن هذا النص ليس قديما كما يعتقد الكثيرون، ورغم قاموسه التقليدي البدوي إلا أنه في الواقع كتب خارج الوطن في بلد لا يعرف لا الخيام ولا الفرگان"
ثم أرفق بأن"شاءت القدرة أني كتبته في لحظات ضجر وجودي تجعلني أطلب اللجوء أحيانا في عوالم الخيال عسى أن أجد فيها بعض العزاء والمواساة "
ومن مشهوره "الگاف" السريالي الذي هو حالة بين قمرنة الانسان وأنسنة القمر :
شوفت گمرة ماهي عبرة:: كل اخمسطعش اتجي فيها
غير العبرة شوفت گمرة:: بخنافرها وبعينيها
ومنه كذلك :
متخيّلك عنّ يالبال:: ماتيْنَ كيفتْ ماكنّ
واحْنَ يالبال ألاّ مزال:: ذاك الماكنّ ماكنّ
ومنه:
اتظل افلمّاجع واتروح *** افلماجع ماعِلْمِتْ روح
مزدوف افلماجع مطروح *** وامْرَكْ عن ظاهرتُ مصروف
كل ابلد منّكْ عاد اجروح *** زدْفْ الريم اولانك منصوف
لاحِگْ عت اترد التخمام *** رد التخمام اوتوف اوشوف
كانك لاهي تَتْرَكْ لسقام *** واللّ لاهي تَفْنَ مزدوف !
ومنه:
عاگِبْ عَگلي دَهْرْ الليْعَاتْ *** لِمْگيلْ افلَسْقامْ ؤ لِمْبَاتْ
و انهَاراتْ الضِعْفْ انهاراتْ *** اتهَرْبيلَكْ ذاكْ ؤ رَدّكْ
و احْلوفَكْ عن لسقامْ اوفاتْ *** و ِانّكْ هاذَ ماتَ گدّكْ
راعيها عگلي هِيّ جاتْ *** و ادّوّرْ لِلدِكْسْ اتْرِدّكْ !
ومنه :
يَمْ الدنيَ ماگط عاد *** يم اتساعْ أولا اگعاد
وامنادم فات اِلَينْ راد *** الــمَـوْلَ عنو جــابُو
لِلدنيَ يعرف حگْ زاد *** عنو معلوم احجابُو
واشبَهْ يقفَسْ مَحدْ گاد *** لِعْمِرْ تلـيانْ اَسـبـابُو
لعمر يسو گدوو اگصيف *** اَتـمْ اَنـكْ فاشـبابُو
لين اَراعيكْ اتروق -كيف *** الحلم- اتنوش اعگابُو
فبعد صراع طويل مع حبسة الكتابة أو Bartleby Syndrom كما سماها فيلا ماتاس أجد نفسي أكتب بإعجاب عن هذا الشاعر الوجودي الذي غاب وسط ماراثون شعراء المناسبات، وبقيت مقطوعاته تشنف المسامع رغم كل ما تشهده الساحة من ضجيج، شكرا محمد محمود لأنك شاعر عظيم في زمن لم يعد فيه الشعر يصنع العظمة! وشكرا لأنك شاعر من تلقاء نفسك في زمن أضحى الشعر فيه نتاج إملاءات الظروف وإملاءات الآخرين، ولأنك تنثر الجمال في زمن المسخ والميوعة حيث يكثر "الشعر" ويقل الشعراء.
كامل الود .